أعلنت بعض الشخصيات المصرية عن نيتها الترشح لرئاسة الجمهورية وبدأ كل منهما يطعن فى الآخر فى محاولة لكسب التأييد الشعبى وتقزيم المنافس وصناعة البطولات الإعلامية، دون إدراك أن المرحلة القادمة لها متطلبات خاصة وتحتاج شخص يتمتع بمواصفات أكثر من تلك المواصفات التى تحدث عنها أفلاطون فى رئاسة المدينة الفاضلة والتى اشترط أن يكون رئيسها فيلسوفاً، أى يتحلى بالحكمة والعدل، والصدق، والشجاعة، والإدراك، والإنسانية، والعلم، والصبر، وغيرها من المواصفات الأخرى.
أما الفارابى فلم يشترط أن يكون رئيس الدولة فيلسوفاً كما اشترط معلمه الأول أفلاطون ولكنه أوجب أن يتحلى الرئيس بالجسدية أى يكون تام الأعضاء حتى يستطيع أن ينجز أعماله وأن يتمتع بالعقلية الكاملة أى جيد الفهم والتصور، جيد الحفظ ، جيد الفطنة، ذكياً، يفهم بأدنى إشارة ، حسن العبارة، محباً للتعليم والاستفادة منه، منقاداً له، غير شره فى المأكل والمشرب، محباً للصدق وأهله، ومبغضاً للكذب، كبير النفس محباً للكرامة، أن يكون الدرهم والدينار وسائر أعراض الدنيا هينة عنده، محباً للعدل، مبغضاً للجور، قوى العزيمة على كل ما يريد فعله، مقداماً دون تردد أو ضعف فى النفس.
لم يكتف الفارابى بذلك بل حدد مواصفات لمن ينوب عن الرئيس، حيث ذكر أنه فى حال تعذر وجود شخص يتحلى بكل مواصفات الرئيس فيتم البحث عن شخص يخلف الرئيس ويحكم بالشرائع والسنن وما شرعها الرئيس الأول، بشرط أن تتوفر فيه ست خصال وهى الحكمة، وأن يكون عالماً، وحافظاً للشرائع والسنن والِسَير وما دبرها الأولون، لديه القدرة على الاستنباط ، وله رؤوية وثبات ببدنه فى مباشرة أعماله فى السلم والحرب وغيرها من الصفات الأخرى.
إذا كان أفلاطون وتلميذه الفارابى أكدا على ضرورة تمتع الرئيس بهذه المواصفات فى العهد القديم فإن الواقع يؤكد أننا فى حاجة إلى شخص يتمتع بأكثر من هذه المواصفات فى ظل حجم الفساد الضخم وتراجع دور مصر فى كل المجالات.
قد يدعى البعض أن هذه الصفات لاتوجد إلا فى الأنبياء والرسل والقديسين ولكن الواقع يقول إن الكثير من البشر يتمتعون بهذه المواصفات ولكن البحث عنهم يحتاج إلى جهد وعناء، بعدما قتل النظام السابق كل أصحاب الضمائر الحية، وأصبحت تأشيرة الترقية وإعتلاء المناصب الرفيعة خاضعة للفهلوه والمحسوبية، لذا فإن انتخابات الرئاسة القادمة ستكون مهمة صعبة على الجميع لأن إختيارنا سيقودنا إلى المجد أو الاستمرار فى المعاناة.
إننا ندرك أن أى شخص لا يملك عصى سحرية للتغير، ولكنه يجب أن يكون مدركاً وواثقاً من النجاح قادراً على انتقال مصر من عصور ظلمات النظام السابق إلى أنوار الحرية والديمقراطية الحقيقية، قادراً على وضع مصر فى مكانها الصحيح سياسياَ واقتصاديا وعلمياً.
الجميع يدرك أن الانتقال إلى مصاف الدول المتقدمة والقضاء على البطالة وتعزيز الإنتاجية يحتاج بعض الوقت، ولكن لا يحتاج إلى قتل أجيال متلاحقة ثم التبجح بحجج واهية مثل الانفجار السكانى وقلة الموارد كما كان يفعل النظام السابق.
نحن لا نتحدث عن المستحيل أو نطالب الرئيس القادم بأن يكون حاوياً ولكن الكثير من التجارب العالمية تؤكد أن مصر يمكن أن تصبح فى المقدمة وتقضى على معاناة شعبها فى غضون سنوات قليلة، فالتجربة الماليزية يمكن استلهامها بعد أن نجح مهاتير محمد فى تحويل ماليزيا من دولة فقيرة غارقة فى الصراعات الداخلية والطائفية إلى إمبراطورية اقتصادية وسياحية وعلمية، لقد قضى مهاتير محمد نحو 22 عاما رئيساً للحكومة الماليزية من عام 1981 وحتى 2003 ولكنه تولى قيادة وطن مهلهل وتركه يقارع الكبار ويخشاه الجميع ويتمتع أهله بالرخاء والعدل والنعيم.
إذا كان مهاتير محمد احتاج أقل من عقدين من الزمن ليضاعف دخل الفرد أكثر من 30 مرة ويجعل المجتمع الماليزى منتج من الدرجة الأولى، حتى أن 80% من السيارات التى تسير فى شوارع ماليزيا إنتاج ماليزى، فإن رئيس مصر القادم لن يحتاج إلى كل هذا الوقت فى ظل توفر الكودار البشرية المصرية المتميزة التى ساهمت فى رفعة وتقدم العديد من الدول سواء فى أميركا وأوروبا أو الدول العربية فى كافة المجالات، كما أن الشعب مهيىء للتغيير، طامح للعلى بفضل ثورة 25 يناير المجيدة التى أعادت إليه روح الوطنية والانتماء التى فقدها فى عهد النظام السابق.
لسنا فى حاجة إلى سياسين واقتصاديين النظام السابق الذين يقييمون التقدم بمعايير أحمد عز ورجال الحزب الوطنى من خلال عدد السيارات التى يملكها الأثرياء، ونحن فى حاجة إلى مجتمع ينعم بالعدل والرخاء والحياة الكريمة حتى يحترم الجميع النظام ويتقبل العقاب عند وقوع الأخطاء.
نحن فى حاجة إلى مصانع قادرة على أن تجعل المنتج المصرى يغزو العالم، وتعليم مميز قادر على أن يستفيد منه الإنسان فى حياته وليس تعليم للحفظ وإفراغه فى كراسة الإجابة ثم نسيانه للأبد، وخاصة أن التقدم العلمى ليس غريب على مصر فقد كانت اليابان ترسل بعثاتها التعليمية إلى مصر فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر للاستفادة من النهضة العلمية فى ذاك الزمان.
نحن فى حاجة إلى أن يكون كل شخص فى مكانه الصحيح بعيداً عن المحسوبية والتوريث التى هيمنت على البلاد خلال الفترة الماضية فكانت القرارات كارثية بامتياز، بعد أن قضى نظام التوريث على منابع الإبداع وقتل المواهب فى كل ربوع الوطن.
نحن نتطلع إلى مصر جديدة يعيش فيه الجميع سواسية فى ظل سيادة القانون، وتكون قبلة للراغبين فى العمل وليس بيئة طاردة لأبنائها المتميزين يحصل فيها الإنسان على قدر عطائه وليس على فهلوته ومراوغته وسرقته ونفاقه.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
Ali
مواصفات الرئيس القادم