د. رضا عبد السلام

التحرك المطلوب لإنقاذ القطاع الزراعى

الإثنين، 11 أبريل 2011 07:23 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إذا كان هناك من نجاح يمكن أن ننسبه للنظام البائد، فهو ببساطة شديدة نجاحه فى القضاء على الزراعة والقطاع الزراعى المصرى، والميزات النسبية والتنافسية التى كانت تتمتع بها مصر عالمياً. وتكفينى الإشارة إلى محاصيل كالقطن (وما أدراك ما القطن) أو الخضراوات التى نتناولها بشكل يومى، والتى لم يعد لها لون أو طعم أو رائحة. لقد اغتال النظام البائد براءة القطاع الزراعى، ولهذا تحول هذا القطاع من قطاع يجسد الميزات النسبية لمصر إلى قطاع طارد ومنفر، بل وسبباً فى تجويع شعب مصر. ولهذا، نجحت ثورة الشباب، ببساطة لأن الشعب كان يئن من الفقر والجوع، ولهذا كان تجمع الشباب فى التحرير بمثابة القشة التى قصمت ظهر النظام الجائر.

إنه القطاع الزراعى الذى يحتضن أكثر من 50% من أبناء هذا الوطن، والذى اعتاد على إشباع حاجات أبناء مصر من مختلف السلع؛ كالحبوب والخضراوات واللحوم...الخ، ناهيك عن تمكين الفلاح من العيش عيشاً كريماً، مكنه فى السابق من تعليم الأبناء التعليم اللائق، والحصول على الرعاية الصحية...الخ. ولكن انقلبت الآية كلية على يد جهابذة نظام الدمار والخراب، وتعالوا بنا لنتعرف على الأسباب.

هل تعلم عزيزى القارئ، أننا ونحن فى عام 2011، وتحديداً فى هذا الشهر (أبريل) نحتفل بمرور 10 سنوات على بدء اتفاق الدوحةDoha Round ، وهو اتفاق عقد تحت مظلة منظمة التجارة العالمية، ولكن ينتظره الفشل الذريع!! هل تعرف سبب تعثر إنجاز هذا الاتفاق؟ ستفاجأ عزيزى القارى إذا علمت أن السبب الرئيس هو تمسك دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة بمواصلة دعم الزراعة والفلاحين؟!!

وفى المقابل، وفى دلالة على نبوغ سدنة النظام البائد، كان قطاع الزراعة فى مقدمة قطاعات الإنتاج خضوعاً لسياسة التحرر، وتحديداً منذ منتصف الثمانينيات!! فإذا كان برنامج خصخصة الصناعة والخدمات فى مصر قد بدأ مع قانون قطاع الأعمال العام مطلع التسعينيات، كان قطاع الزراعة سباقاً نحو التحرر، وكأنه كان يشكل عبئاًً ثقيلاً على كاهل صانع القرار المصرى، فانهارت الزراعة، وانهار معها بالتبعية اقتصاد مصر والأوضاع المعيشية لشعب مصر.

فبعد أن كانت هناك دورة للإنتاج الزراعى، يلتزم بمقتضاها الفلاح بإنتاج المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والقطن والأرز وغيره، تم إلغاء تلك الدورة وتُرِك الفلاح لإنتاج ما يوجهه به القطاع الخاص. وبعد أن كانت الدولة تمول وتقدم مدخلات الإنتاج الزراعى، وترشد الفلاح، وتشترى منه المنتج النهائى، تركته فى العراء، فريسة سهلة لحفنة من تجار القطاع الخاص (وما أدراك ما تجار القطاع الخاص)، الذين أشعلوا القطاع الزراعى على من فيه، فاشتعلت مدخلات الإنتاج وتراجعت أسعار المحاصيل فى ظل الاحتكارات، وبات الفلاح فى نهاية الموسم، غير قادر – حتى- على سد تكلفة الإنتاج من بيع المحصول.

الأمر الآخر، هو أنه فى ظل إهمال الدولة لهذا القطاع (غير المنظم بطبيعته)، تداعى حفنة من التجار، والذين كانت أعينهم على الأسواق الأوروبية والخليجية، فوجهوا الفلاحين لإنتاج سلع ترفيه كالفراولة والبرتقال والعنب والكنتالوب...الخ، فهذه السلع لها سوق رائج خليجياً، حيث القدرات الشرائية العالية، ولتذهب مصر ومعها شعب مصر إلى الجحيم، فبدأ الفلاح فى إنتاج الفراولة أو الكنتالوب أو البصل (من أجل التصدير)، وبالتالى تراجعت المساحات التى كانت تزرع بالقمح أو القطن...الخ!!!

إن الحديث عن الجريمة التى ارتكبت بحق الزراعة المصرية والفلاح المصرى شرحه يطول، ونكتب فيه مؤلفات، ولكن إذا أردنا أن نعيد الحياة إلى مصر واقتصاد مصر، وإذا أردنا فعلاً تحقيق الاكتفاء الذاتى من السلع الاستراتيجية، على النحو الذى تحدث عنه وزير الزراعة فى حكومة تصريف الأعمال، علينا ألا نكتفى بالعبارات الرنانة. ينبغى أن نعيد الحياة للقطاع الزراعى، وبالتالى نضمن عودة الحياة إلى قطر مصر كاملاً، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال خطوات جادة وعلمية وعلى رأسها:

أولاً: الإدراك الكامل لكون قطاع الزراعة قطاع غير منظم، لا توجد نقابات تحميه وتدافع عن قضيته، ولهذا إذا غابت الدولة عن هذا القطاع، فمن له غير محدثى النعمة وعصابات التجارة بالقطاع وبالفلاحين؟! علينا أن نعيد النظر فى التزاماتنا أمام منظمة التجارة فيما يختص بهذا القطاع، خاصة وأن لدينا مؤشرات واضحة تؤكد انهياره خلال السنوات التى تلت الانضمام إلى هذا الكيان، وهى مؤشرات تسمح لنا بإعادة ترتيب البيت الزراعى حتى مع عضويتنا فى منظمة التجارة العالمية. كل ما فى الأمر أن المسألة تتطلب وجود مسئولين قلوبهم على مصر وعلى شعب مصر!

ثانياً: ينبغى أن تعود الدولة سريعاً إلى تقديم الإقراض الميسر، الذى اعتادت على تقديمه للفلاحين، لحفزهم على تربية وتسمين الماشية، سواءً من أجل إنتاج الألبان أو من أجل اللحوم، وبالتالى سنضمن العودة السريعة لأسعار عادلة للحوم، بحيث يتمكن الملايين ممن حرموا من تذوق طعم اللحم فى العهد المبارك، وكانوا يكتفون بمجرد النظر والتمنى، من أكله، شأنهم فى ذلك شأن باقى خلق الله.

ثالثاً: لابد من عودة الدورة الزراعية، بحيث يكون هناك توجيه شبه ملزم للفلاحين لإنتاج محاصيل بعينها فى أحواض بعينها، على أن تلتزم الدولة بشراء المحاصيل (كالقمح والأرز والقطن) بأسعار تنافسية تقطع الطريق على العصابات التى اعتادت على امتصاص دماء أبناء هذا القطاع خلال العهد الغابر.

رابعاً: حماية للفلاح من جشع تجار مدخلات الإنتاج الزراعى، على الدولة العودة إلى سابق عهدها من خلال الجمعيات الزراعية، بحيث تنتقى أفضل السلالات وتقدمها بأسعار رمزية للفلاحين، ناهيك عن الكيماويات والمبيدات التى تتوافق مع متطلبات التربة المصرية. فقد أثبتت التجربة الفاشلة عدم أمانة القطاع الخاص العامل فى هذا القطاع، ومن ثم نعيد إحياء مجد الزراعة المصرية. فقد أثبتت الأزمة العالمية التى ضربت العالم مؤخراً (2008 وحتى تاريخه) أن الدولة - كانت وستبقى - صمام الأمان، وأولى بها العودة إلى قطاع ما كان ينبغى عليها أن تهجره، وإلا لفعلت ذلك الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبى!!

خامساً: لابد وأن ننطلق فى توجهنا لتطوير الزراعة المصرية من خلال رؤية عامة لاقتصاد مصر، وليكن رؤيتنا لمصر عام 2030م، كيف يمكن للقطاع الزراعى المصرى أن يسهم فى إنجاز رؤية مصر عام 2030م؟ لا يمكن الإجابة على هذا السؤال إلا إذا انطلقنا فى تطويرنا لهذا القطاع من خلال تخطيط استراتيجى، نحدد من خلاله الوضع الراهن للقطاع، وأين نريد الوصول به؟ وكيف يمكن الانتقال من وضعنا الراهن إلى الوضع المستهدف؟ وما هى آليات الرقابة والمتابعة، بهذه الطريقة سنضمن الانطلاق نحو المستقبل وفق أسس علمية اتبعتها من قبلنا دول وتجارب مشرفة كالتجربة الماليزية وغيرها.

وبناءً عليه، على متخذ القرار المصرى عدم التردد فى إعادة إحياء دور الدولة فى القطاع الزراعى (مع الإبقاء على وجود القطاع الخاص) لما للقطاع الزراعى من طبيعة خاصة، كانت تبرر ضرورة بقاء الدولة داعمة له، على غرار كبريات الدول التى أشرنا إليها، رغم كونها هى الأخرى أعضاء فى منظمة التجارة العالمية، فهل يتحرك متخذ القرار المصرى لإنقاذ القطاع الزراعى، الذى يشكل قاطرة إنقاذ مصر؟ نتمنى ذلك.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة