لا يختلف أحد على أن خروج الملايين من أبناء الشعب المصرى للشارع يوم 25 يناير جاء لإسقاط النظام وليس إسقاط الدولة وبالفعل تحقق للجميع ما نادوا به فسقط مبارك ونظامه وذهبوا جميعا فى مزبلة التاريخ، وتحررنا جميعا من كل أوزار هذا النظام الذى أعاد البلاد إلى عصور الدولة المملوكية، فالحكم كان يورث والفساد والمحسوبية كانا شعار نظام مبارك، وبيع مصر لحفنة من رجال الأعمال ولصوص المال العام كان السنة غير المحمودة لمبارك وأتباعه، يعنى بصريح العبارة كنا قبل 25 يناير مجرد عزبة يحكمها الخولى مبارك ويساعده نجلاه جمال وعلاء، الأول تخصص سياسة فهو يحلم بحكم مصر كوريث شرعى ولكن ثوار يناير حولوا حلمه لكابوس وأنهوا نظام مبارك ورجاله الذين يقبعون الآن خلف أسوار طرة، والثانى تخصص فى البيزنس.
ولكن ما يحدث الآن على المشهد السياسى يطالبنا بضرورة التوقف قليلا لتأمل ما يجرى الآن من جرائم بدأت بما يعرف بالثورة المضادة، وما أعقبها من احتجاجات فئوية ثم تغول الجماعات السلفية فى الشارع واختيارهم قضايا تؤدى إلى اشتعال الفتن، مستخدمين ستار الإسلام لتنفيذ أجندتهم الخاصة بداية من هدم الأضرحة، مرورا إلى جلد العاهرة، نهاية بتطبيق الحدود على الأخوة الأقباط بداية من قطع الأذن حتى الرجم والحرق، كل هذا يحدث رغم أن الثورة لم يمر على نجاحها ثلاثة أشهر.
وبالرغم من نجاحنا فى ضرب كل من يحاول تشويه ثورتنا، إلا أن الكوارث على مصرنا الحبيبة تجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا لأنها تأخذ من إنجازات الثورة التى خرجت لإسقاط النظام وليس إسقاط الدولة وتمثل تلك الكوارث فى المظاهرات التى خرجت مؤخرا للاعتراض على قرارات وزارية.
وربما ما يجرى الآن من مظاهرات واحتجاجات فى محافظة قنا اعتراضا على تعيين اللواء عماد شحاتة ميخائيل محافظا لقنا بدلا من اللواء مجدى أيوب يؤكد أننا مازلنا نتعامل بمنطق الفوضى غير الخلاقة فما يحدث من أساليب اعتراض على المحافظ الجديد لا يتناسب مع أخلاق ثورة 25 يناير، فمن الممكن أن نعترض ولكن بطريقة حضارية فمن المستفيد من قطع طريق مصر أسوان، وإغلاقهم شريط السكة الحديد بمزلقان سيدى عبدالرحيم القنائى وافتراشهم المزلقان، ووضعهم متاريس خشبية على القضبان، مع منع السيارات من الانتقال إلى منطقة الشؤون والمساكن، مما أثار حالة من الفوضى داخل المدينة، بالإضافة إلى إعلانهم الاعتصام والمبيت أمام ديوان المحافظة لإجبار رئيس الوزراء على تغيير قراره، وحتى الآن لا نعرف من الذى يقف وراء هذه الإضرابات، البعض يرجعها للسلفيين والإخوان، وهناك من الأقباط من يشارك فى هذه المظاهرات والاحتجاجات التى تعكس حاله الفوضى التى يعيشها الشارع المصرى والذى يخلط بين الاعتراض على حاكم فاسد ومحافظ لم يتسلم حتى وظيفته، ولا توجد معرفة مسبقة بين أهالى قنا والمحافظ الجديد فلماذا الاعتراض؟
نفس السيناريو تكرر فى حلوان و6 أكتوبر حيث تظاهر آلاف الموظفين من المحافظتين السابقتين اعتراضا على قرار رئيس الوزراء بحلهما وإعادتهما إلى المحافظات التى كانت تتبعها قبل قرار الفصل الذى أصدره الرئيس المخلوع مبارك، وأثار وقتها ثورة غضب فى العديد من مدن وقرى حلوان وأكتوبر، إذا الدكتور شرف أعاد الأوضاع فما هو الضرر الذى وقع على هؤلاء الموظفين ليخرجوا فى مظاهرات أمام مجلس الوزراء ويحاولوا التحرش بالأجهزة الأمنية اعتراضا على القرار؟
إذن، ثورات الغضب الآن ليست فى محلها لأن هذه المظاهرات لا تخدم حالة الاستقرار التى نريدها بل تؤدى إلى فوضى على كل الأوضاع لأننا ببساطة سنرفض أى قرار بتعيين أى مسؤول، وهو ما يعنى أنه لن يبقى أحد على كرسيه فى هذه المرحلة الانتقالية، التى ستمهد الطريق لاختيار برلمان ورئيس للجمهورية.. وهى مرحلة خطيرة يجب أن ندرك أن استمرارنا فى الاعتراض على تعيين أو اختيار قيادى من قبل السلطة الحاكمة سيؤدى إلى خلو العديد من المناصب، وكما يقول البعض «ابقوا قابلونى لو استمر مسؤول فى منصبه»، وهو ما لا نريده لمصرنا الحبيبة التى تحتاج لتكاتف الجميع من أجل استقرار هذا الوطن.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة