غادة عبود

الإدمان عادة سيئة

الإثنين، 25 أبريل 2011 07:14 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قد تستغرب عندما تكتشف أن الإدمان لا يتوقف عند المخدرات، فهناك أشكال كتيرة للإدمان، عادات بنكتسبها، أو بنبتكرها لتكوّن دائرة هروب من ظروف كثيرة لا نستطيع تغييرها، فبنهرب منها عن طريق ابتكار وسيلة هروب تانية، زى إيه؟

زى ما بتلاقى نفسك بتفش غلّك فى الأكل، كل ما بتبقى زهقان أو غضبان، فتروح فاتح الثلاجة وتخلّص عليها، وزى مانتى عارفة إن عندك ملابس كفاية، بس بتهربى من إحساسك بالفراغ والوحدة بحمّى من التسوّق الغير مبرر، زى ما المفروض إنك فى إجازة وأنت أو أنتى حتى لو سيبتوا المكتب بتشتغلوا من التليفون، فى ناس مدمنة شغل، ناس مدمنة جيم، وناس مدمنة نميمة على الآخرين، والقائمة لا تنتهى.

قد نحتاج كلّنا من حين لآخر أن نجد شىء يلهينا، نستنشق فيه متعة مجردة، ثم نزفر معه أعباءنا وخوفنا، حتى يسرى الهدوء فى عروقنا، فنعود إلى عراك حياتنا من جديد وفوق شفاهنا ابتسامة هادئة، كالرياضة مثلاّ أو لعبة ما على الإنترنت، هنا تكون ابتكرت داخلك "غرفة زرقاء" بنيت محتواها وهى ملاذك من حين لآخر.

المشكلة بتبدأ لمّا زياراتك يبدأ عددها يزيد إلى أن تصبح سلوكاً يومياً لا يغادرك ولا تغادره، أوّل ما تصحى تفكّر فى "اصطباحتك"، قد تكون اصطباحتكِ، البلوزة اللى شفتيها فى شارع عز العرب، هاجس يئزك أزاً لغاية ما تمسكى البلوزة فى إيديكى وتدفعى تمنها، وقتها بس بترتاحى، ساعتها بس يتلاشى صوت السرينة اللى كانت شغّالة من الصبح، فقط لأنك "اصطبحتي" أو "اتمسيتى" من مساء مش مَس! ولو أن الإدمان يشبه المَس.

وإذا كان الإدمان الجسدى مصيبة، فالإدمان النفسى كارثة أكبر، إذ أن أى عادة أو أى سلوك مهما كان بسيطا، إذا تحوّل من "اختيار" إلى "حتمية" يبقى إدمان، ساعتها بدل ما أنت اللى كنت بتختار تدخل "الغرفة الزرقاء" ثم تغادر عندما تريد، تلاقى نفسك محبوس جوّة الأوضة دى، وحد قفل عليك الباب من برّة، زعّق للصبح شوف مين يرد عليك.

أصل الخدعة مش فى المادة المخدرة، الخدعة فى أسلوب إفراطنا لأى شىء مهما كان مفيدا، تصدق يا راجل إن قرايتك لـ"اليوم السابع" مع الشاى ممكن تقلب معاك إدمان!

المصيبة بقى إنك تحاول تبدّل عادة إدمانية، بعادة إدمانية أخرى، كأن تكون مدمنا على ريال مدريد أو ليفربول، فتثور على إدمانك وتحلف أنك لن تشاهد أى مباراة، أو تتابع أخبارهم على النت، ثم تقول لنفسك ماله الزمالك؟ كويس الزمالك، هنا أنت ما غيّرتش إلا اسم المنتج اللى بتدمنه مهما كان فرق التصنيع والجودة، أهو برضه إدمان.

وأصعب من الإدمان هو أعراض انسحابه، خصوصاً إننا مش بنتكلّم عن إدمان مخدّر، بل إدمان معنوى له مفعول المخدر، فأنت غير موصوم بعار الإدمان، مجتمعك يقبلك كما أنت ولا يرى فيما تفعله إدماناً، لذلك فمن السهل أن تنجرف مرة أخرى إلا إدمانك، فأعراضك الانسحابية غير التى تراها فى أفلام السينما، لا بترتعش ولا بتصرخ، ولا حد محتاج "يشحنك المزرعة"، أعراضك الانسحابية لا يشعر بها إلا أنت.

فى متناول الجميع البحث عن برنامج الـ "12 خطوة لعلاج المدمن المجهول"، فهى خطوات بسيطة، ابتكرت منذ الثلاثينيات لعلاج مدمنى الخمر المجهولين، هذه الخطوات الإيجابية تساهم أيضاً فى علاج حالات الاكتئاب وتحسين الذات، المحفّز فيها أنها تعتمد على الإيمان بأن الله هو القادر على مد يد العون لخلقه أجمعين حتى ينجيهم من محنتهم.

لكن ماذا لو "غرفتك الزرقاء" ليست إلا كباية شاى؟ فيفا بلاى ستايشن؟ عمليات تجميل؟ شغل؟ هل بالضرورة أن يكون الإدمان حاجة وحشة؟ ألا يجوز أن يكون هناك وجه تحفيزى، أو مُلهم لبعض أنواع الإدمان المعنوى؟ ليه بنسميه إدمان أصلاً؟

فالمدمن على العمل يستطيع تأسيس أسرة أكثر من الشخص العادى، والست أو الرجل مُدمنى التسوق محبّين للتجديد والحفاظ على مظهر لائق، والوحيد الذى يهرب إلى سطل الآيس كريم، بنى آدم ذواق يأكل عاطفياً حتى لا يحسد أحد.

إن هذا النوع من الإدمان ليس إلا حيلة إنسانية لخلق بدائل تعوّض الإحساس بفقد أساسيات لا يمتلك الشخص إيجادها، فيهرب إلى بدائلها، ثم يرتبط بها عاطفياً حتى تصبح جزءاً منه، للإدمان أشكال وأنواع كثيرة، منها نهرب منه، ومنها نهرب إليه.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة