◄◄ المملكة تعاملت طيلة 30 عاماً مع مصر باعتبارها نظاماً بدون شعب وامتدت أصابعها لاختراق الأزهر والإعلام المصرى.. ثم جاءت الثورة لتكشف تناقضاتها تجاه المصريين
فى التسعينيات من القرن الماضى، كان المصحف ذو الغلاف الأخضر الفاخر، هو الأشهر بين نظرائه المطبوعين بمصر والحاصلين على موافقة وتصريح من الأزهر، حيث كان يوزع على الطلاب، وكانت المدارس تتهافت على نصيبها فى «الهبة» المقدمة من الملك فهد بن عبدالعزيز عاهل السعودية، ليصبح «مصحف الملك فهد» هو القاسم المشترك فى الكتب التى تسلم للطلاب مع دخولهم للمرحلة الإعدادية، وكانت أوراق المصحف بلمعانها وحروفها الواضحة، وفخامة الطبع والتغليف، تمثل للمعلمين والطلاب فى المدارس صورة ذهنية مصغرة لما تنعم به المملكة آنذاك من ثراء، فى ذات الوقت الذى يمثل فيه العائدون من العمل بالخليج «والسعودية على الأرجح» المثال الواقعى لسرعة التخلص من الفقر، وتحقيق الأحلام المؤجلة لظروف البطالة أو ضآلة الدخل، فى وقت خصصت فيه السعودية أكثر من مليارى دولار سنوياً لدعايتها الخارجية، كان لمصر النصيب الأكبر بوصفها حجر العثرة وصاحبة المركز الأول دائماً مما يضع السعودية فى مراكز تالية دون الأول.
وتزامناً مع هذا التأثير المباشر للوجود السعودى فى مصر، كانت الإدارة السياسية بالمملكة تسعى لتكون على نفس مستوى قامة مصر فى العالم والمنطقة العربية، واستخدمت كل طاقاتها المادية والسياسية للوصول لهذه المكانة، وكان الداخل المصرى أحد المستهدفين بهذه الرغبة، خاصة أن علاقتها بالنظام المصرى متوائمة، حيث كان هذا النظام حريصا على كسب ود النظام فى المملكة بحجة أن عدد العاملين المصريين بالسعودية وما يحولونه من أموال يستحق كثيرا من التنازلات، حتى إن كانت تلك التنازلات غير مرئية مثل أن تفسح الدولة مجالاً للمناهج السعودية للتسلل داخل المناهج التى تدرس بالأزهر، أو إعارة بعض الخريجين إلى جامعتى أم القرى أو الملك سعود، أو حتى ذهاب بعضهم فرادى لتلقى العلوم الشرعية على يد الشيخ العثيمين وابن باز، أو حتى إنشاء مركز «صالح كامل» للاقتصاد الإسلامى، داخل جامعة الأزهر عام 1970، وتخصيص وديعة باسمه بقيمة مليون دولار فى أحد البنوك، ونضجت الوجبة الفكرية السعودية بعد سنوات بإنتاج جيل كبير من السلفيين الذين يعتبرون الانتماء للوطن يأتى فى المرتبة التالية للانتماء إلى القومية الدينية «الإسلامية»، وهو ما يزيد من فرص السعودية فى قيادة العرب ذوى الهوية الإسلامية، بوصفها مهبط الرسالة المحمدية ويوجد بها الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين فى العالم.
ولم يكن التواجد السعودى ذو الطابع الدينى فى الأزهر عفوياً - بوصف الأخير مركزاً للتعليم الدينى - بقدر ما كان هذا التواجد تحدياً لوسطية الأزهر الذى يمثل مكانة مصر الدينية، والتى لم يؤثر فيها رفض السعودية لكسوة الكعبة التى أرسلتها مصر عام 1962 كعادة سنوية، فظلت تلك المكانة تؤرق السعودية التى تعتبر نفسها مركز العالم الإسلامى «السنى»، فكان اختراق الأزهر مهمة وطنية للفكر السعودى، ولكن التواجد الإخوانى فى الأزهر «الجامعة» قلل من تأثيره وإن كان بعض من الإخوان قد أصبحوا أدوات لهذا الفكر، ولكن أتباع التيار السلفى كانوا أكثر وضوحا فى رضاهم عن هذا التوجه.
وكانت الأنظمة السابقة خاصة نظامى مبارك والسادات، لا تبالى بالطموح السعودى لأسباب عديدة أهمها أنهما كانا يعيشان على ثقة تاريخية بدور مصر ومركزها بين العرب - فى وقت وصل فيه هذا الدور لأدنى مستوياته - وكانت تلك الأنظمة تعتقد أن المقابل المادى لهذا الطموح كفيل بغض الطرف عنه، وربما كانت مصالح شخصية لقيادات بارزة فى النظام وراء هذا التغاضى، حتى إن كثيراً من الصحف كانت تستشرف المزاج الرسمى للقيادة السياسية قبل أن تشن هجوماً على النظام السعودى، وبعضهم طارت رقبته لمجرد الخوض فى هذا الأمر، وأبرز الضحايا فى هذا الأمر كانت جريدة صوت العرب والتى أغلقتها الادارة المصرية عام 1988 لانتقادها الخط السياسى السعودى فى المنطقة العربية، وجريدة مصر الفتاة التى أغلقت عام 1990 لنفس السبب، وفى التاريخ الحالى كان نادرا أن تجد مسؤولاً سعودياً يتعرض للنقد فى صحيفة مصرية، حكومية على الأخص، بل إن بعضها كان يهلل لوجود الوليد بن طلال فى توشكى، رغم كل الصراخ حول الخدعة الكبرى التى يمثلها هذا الوجود، ومدى استفادة الوليد نفسه من علاقته بالنظام الحاكم حينئذ، وتمدده إعلامياً داخل مصر بقنوات روتانا واحتكارها للتراث الفنى المصرى تتويجاً لـ50 عاماً من محاولات التمدد بالأموال المتدفقة من النفط السعودى.
ومن كثرة ما كان النظام السعودى ينظر لنظيره المصرى لكى يناطح مكانة الدولة المصرية، فقد ارتبط به كثيراً وتعامل كثير من أفراد العائلة المالكة هناك مع الملف المصرى على أنه نظام فقط بلا شعب، وحكومة بلا جماهير، فارتبطت مصائر أشخاص فى النظامين ببعضها البعض، ورغم كل محاولات الدوائر السعودية لنفى تلك العلاقة، لكنها كانت أول الأهداف التى أصابتها سهام النقد التى وجهها المصريون بعد ثورة 25 يناير، بوصفها من أول الدول، وربما الوحيدة، التى اتُّهِمَت بأنها عرضت استقبال الرئيس السابق مبارك، على غرار زين العابدين بن على، ولم تفلح أيضا محاولات السفير السعودى لدى القاهرة فى نفى ذلك أيضا، لأنه وقع فى تناقض أفقده مصداقيته فى هذا الشأن حينما اتهم الإعلام المصرى بالتحامل على الوليد بن طلال، فى الوقت ذاته الذى اعترف فيه مواطنه الأمير طلال بأنه أخبر الوليد بأن مصر أهم من أراضى توشكى، وكان آخر تلك التناقضات تأكيد السعودية عدم دخولها فى تفاوض حول مصير الرئيس السابق، فى الوقت الذى أوردت فيه تقارير رقابية أن مبارك يمتلك أسهما فى فنادق بالسعودية بما يفوق 300 مليون ريال سعودى.
وقد عزز التوجه السلفى داخل مصر برفض قطاعات كبيرة منه للثورة - وإن كان هو التيار الأكثر استفادة منها - والتقائه مع الفتاوى السعودية التى حرمت المظاهرات فى المملكة عقب تنحى مبارك، النظرة الغالبة بشأن تعامل السعودية مع مصر بعد الثورة بتجاهل فى بداية الأمر ثم مخاوف من انتقالها للملكة، وأخيراً الحرج الذى سببه الحديث عن العلاقة المتوطدة بين النظام السعودى ومبارك وعائلته، فكان الالتقاء السلفى المصرى مع الرغبة السعودية، ليكشف ولو بشكل يكتنفه الغموض مصلحة السعودية فى عدم سقوط مبارك.
سقوط مبارك يهدد مخططات السعودية للهيمنة على العالم العربى
الجمعة، 06 مايو 2011 12:06 ص
ود.. وابتسامات.. ولقاءات متكررة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة