يبدو أن لعنة السياسة أصابت الجماعات الإسلامية بكل أنواعها ومشاربها فى مصر، بعد أن تحولت هذه الجماعات فجأة من إيمان المساجد إلى مشاحنات الشارع وصراع الفضائيات، فقبل ثورة 25 يناير المجيدة لم يكن الكثير من المصريين يعرفون كل هذه الجماعات ولا يرونها سوى فى بعض المساجد والزوايا والجمعيات الخيرية، وكانت هذه الجماعات لاتتحدث إلا فى الدين ويتجنب شيوخها ورجالاتها الخوض فى السياسة من قريب أو بعيد حتى نجوم الشباك فى الجماعات السلفية وعلى رأسهم الشيخ محمد حسان ظل خلال الأيام الأولى من الثورة يخرج على التلفزيون المصرى ويدعو الناس إلى إنهاء الثورة حقناً للدماء، وعندما بدأت بوادر النحاح وبدأت النتيجة تخرج من كنترول ميدان التحرير وتعلن فوز شباب مصر على نظامها القمعى تسابق الجميع للحاق بركب الثورة المباركة، وكان فى مقدمة الركب جماعة الإخوان المسلمين ولحقت بهم باقى الجماعات تباعاً.
فقد أخرجت الثورة الجماعات السلفية بكل أطيافها وتنوعاتها من زواياهم ومساجدهم بعد أن كانوا بعيدين عن الساسية، وأعلت صوت الصوفيين بعد أن كان دورهم السياسى قاصراً على إعلان التأييد أو الرفض للرئيس السابق، كما فتحت الباب أمام الإخوان على مصرعية لجنى ثمار الحرب الباردة التى ظلت قائمة بينهم وبين النظام السابق لسنوات طويلة.
إن خروج كل هذه الجماعات إلى الساحة الساسية والمنافسة العلانية أظهر حجم التباعد والاختلاف بين هذه الجماعات ورغبة كل منها فى العمل بعيداً عن الأخر، بل أن البعض منهم يعتبر نفسه على حق وصواب وما دونه خطأ وضلال، مما أصاب المجتمع المصرى بكثير من القلق فى ظل إصرار كل طرف على رأيه، كما حاولت كل جماعة أن تدعى أنها صاحبة صولات وجولات وأن أفرادها هم دينامو الثورة ومحركها، دون أن يدركوا أن وقود هذه الثورة هم شباب مصر الذين لاعلاقة لهم بأى جماعات ولا يخضع الغالبية العظمى منهم لأى انتماءات، مع العلم أن شباب جماعة الإخوان المسلمين ينسب لهم الدور الأكبر فى حماية الثورة وإنقاذها من الهزيمة فى موقعة الجمل، وكان هذا الموقف كفيل بأن يغفر الشعب المصرى لها تأخرها فى اللحاق بركب الثورة منذ البداية.
لقد فتحت الثورة الباب لكل المهمشين والمحرومين من المشاركة السياسية، لأن يدخلوا فى العملية السياسية بقوة، سواء المهمشين بفعل أمن الدولة السابق كالتيارات الإسلامية المختلفة بما فيها الإخوان المسلمين الذين عاشوا يكافحون من أجل المشاركة ويعانون فى سبيل ذلك الكثير. وكذلك الجماعات الإسلامية بتنوعاتها التى حرمت من المشاركة السياسية بعد الإفراج عنها من خلال صفقة الخروج من السجن مقابل إعلان رجوعهم عن العنف كوسيلة للتغيير والبعد عن السياسة.
الجميع يعلم أن كل هذه الجماعات كانت لاتمارس السياسة فى عهد النظام السابق رغبة منها، بل مجبرة على ذلك أحياناً، ونتيجة لعقد صفقات معها فى أحياناً أخرى.
يبدو أن خروج الجميع إلى مناخ حر مفتوح كان بمثابة الصدمة التى لم يتوقعها الكثيرون ولم يكن البعض مهيأ لخوض غمار السياسة فى النور بعد أن إعتاد على ممارستها فى الظلام، فظهرت الخلافات وتباينت الطرق بين الجماعات وبدا الأمر صراعات بينهم لتحقيق أهداف ومأرب كل منهم، دون أن يدركوا أن من حق كل فرد أن يمارس حريته دون الطعن فى الآخرين وفرض الوصاية أو تحصيل الجباية على المختلفين فى الرأى أو الدين.
فهل ستنجح هذه التيارات المتباينة والتى يقف بعضها من بعض موقف العداء أن تتفق على كلمة سواء وتدير معركتها السياسية بمنهج بناة المستقبل أم سيسقطون فى صراع قد يفقد الجميع الكثير من إمكاناته فى المشاركة السياسية لصالح تيارات أخرى ويدخلون الوطن فى دائرة الظلام.
إن الجماعات الإسلامية عليها التعاون والتعاضد والوحدة وقبول الرأى الآخر، طالما أن هدفها واحد، وغايتها واحدة، كذلك يجب أن تتحلى هذه الجماعات بالمرونة والحكمة والرحمة طالما أنها تسير على هدى النبى محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، وفمن هدى الإمام على عليه السلام فى الحكم قوله" من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم".
إن الصراع بين التيارات السياسية يحتاج إلى وقفة حتى لايتحول المجتمع إلى تصنيفات متباينة، هذا سلفى وذاك إخوانى، وثالث صوفى، ورابع تكفيري، وخامس جهادي، وهكذا وكأن هذه التصنيفات أصبحت البديل للتيارات الفكرية التقليدية، ولكن هذا الصراع إذا استمر فسيكون له انعكاساته على الحياة السياسية وقد يشتعل إذا لم يتم إبعاد النار عنه وخاصة أن مجلس شورى جماعة أنصار السنة المحمدية أصدر فتوى بأنه لا مانع شرعا من المشاركة فى انتخابات مجلس الشعب والشورى، مما يشير إلى أن السلفيين يعدون العدة لخوض غمار الانتخابات، وقد نجد الكتلتين الأبرز فى مجلس الشعب القادم بين الأخوان والسلفيين وخاصة أن كل منهما قادر على حشد الجماهير بشكل جيد، وكلاهما يمتلك خطباء مفوهون ونجوم شباك من الفئة الأولى، نأمل أن تنصهر الجماعات المتعددة معاً إذا كان هدفها واحد وأن تتحلى بهدى الرسول ولا تبحث عن الزعامات الرنانة والخطب المثيرة للرعب والخوف لأن الإسلام دين الوحدة والأمان وليس رعب الآخرين وفرض الرأى بالقوة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة