محمد بركة

ذكريات مع الإخوان «1»

الخميس، 02 يونيو 2011 12:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنا قد أنهينا امتحانات الشهادة الإعدادية بنجاح وبمجموع يؤهل للثانوية العامة حين التقانا الأستاذ «م.ل» ونحن خارجون من صلاة العصر، وقال لنا: إنتم التلاتة كده... عاوزين نستلمكم بقى!

قالها بوجه بشوش مبتسم يليق بمدرس رياضيات مجتهد، وشاب فى الثلاثين حصل على شهادة إضافية فى الدراسات الإسلامية تؤهله لأن يخطب الجمعة ويلقى الدروس الدينية فى «ندوة الثلاثاء» بعد صلاة المغرب من كل أسبوع.

رفض الرجل أن تكون الدروس الخصوصية مصدره لزيادة دخله الكوميدى من وزارة التربية والتعليم، واتجه بدلا من ذلك إلى فتح ورشة كبيرة لتصليح الأجهزة الكهربائية فى مدينة «التفتيش» التى لا تبعد سوى كيلومترات عن قريتنا الدمياطية كفر سعد البلد، على عكس «مسيو محمود» مدرس الفرنساوى الذى كان أحد الكوادر فى الجماعة ولا يرى بأسا فى إعطاء تلك الدروس المثيرة للشبهات. كنا ثلاثة من الأصدقاء تمور أجسادهم بتغيرات البلوغ، وتمور أرواحهم بالثورة والتمرد والرغبة العارمة فى التغيير.. شمس الشتاء امرأة حنون تعافينا بالعافية، وغيطان الفول والبرسيم موج أخضر يحيط بجزيرة من البيوت العشوائية القبيحة.. أرضت غرورنا فكرة أن يكون لقاؤنا الأسبوعى بمنزل الأستاذ «م» محاطا بالسرية، لقد كبرنا إذن وهناك شىء خطير نفعله فى الخفاء.. ذكَّرنا أستاذنا بالوصية النبوية «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان»، كما استشهد بالمثل الشعبى «دارى على شمعتك تقيد».

كان أستاذنا شديد النحافة، جم النشاط، عف اللسان، لا يكف عن المداعبات ودائم الاستشهاد بأنه صلى الله عليه وسلم كان يمزح ولا يقول إلا صدقا.

حين انتقل للإقامة فى التفتيش أخذ يعايرنا ضاحكا: احمدوا ربنا إن أنا لسه بعرفكم... أنا من سكان المدينة دلوقتى وأنتم مبقتوش من مستوايا!

فى لقائنا الأسبوعى المنزلى كنا نبدأ بتلاوة القرآن ومناقشة حديث جديد من «الأربعين النووية» ثم التطرق إلى مدارسة شىء من السيرة النبوية... وبس! كانت صينية الشاى هى الشكل الأبرز لواجب الضيافة.. نسمع دقة لطيفة على الباب، فيستأذن الأستاذ لحظات ثم يأتى بالصينية التى تحمل أحيانا بعض قطع الكيك إلى جانب أكواب الشاى.

كان ينصت إلى تساؤلاتنا باهتمام بالغ ويصبر على أخطائنا إلا فى مرة واحدة انفعل فيها قليلا على «محمد»، صديقنا الرابع الذى انضم إلينا بعد فترة، حين تعثر فى شرح تفسير الأستاذ سيد قطب لبعض الآيات التى تلوناها قبل قليل.. لم يكن «فى ظلال القرآن» أفضل كتب التفسير، لكنه يحظى بمكانة خاصة لدى أعضاء الجماعة لأن مؤلفه هو أحد رموزهم التاريخية والذى يشيرون إليه بكثير من الاحترام قائلين «صاحب الظلال».. كان كل منا قد بدأ يتولى مهمة محددة يستعد لها طوال الأسبوع: من يشرح لنا تفسير آية، ومن يشرح تفسير حديث، ومن يطلعنا على حكم فقهى معين وهكذا.. قال الأستاذ فيما يشبه التوبيخ لمحمد: الأستاذ سيد قطب كان يُعذب فى السجن ومع ذلك تمكن وسط هذه الأهوال من وضع هذا التفسير، وتأتى أنت اليوم وأنت آمن فى بيتك تنعم بالحرية والفراغ وتتكاسل فى مجرد مدارسة صفحة أو صفحتين منه!

رأينا أستاذنا ذات مرة متهللا فسألناه عن الأمر، فقال وهو فى غاية السعادة: «الحمد لله.. جميع أعضاء مجلس نقابة الأطباء بقوا من الناس إللى فاهمة صح!»، كان ذلك فى أواخر الثمانينات، وكان «النشاط الإخوانى» يقتصر على الاستحواذ على «جامع البحر» بعيدا عن «الأوقاف» وتنظيم صلاة العيد فى الخلاء وسط إقبال هائل، والحشد الجماهيرى فى الانتخابات حيث كان مرشحو «التيار الإسلامى» لا يعلنون عن أنفسهم إلا بعبارة «إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت»، ولم تكن عبارة «أختاه.. الحجاب قبل الحساب» قد ظهرت على الحوائط والجدران بعد، فقد كانت الجماعة آنذاك متحفظة أمنيا ولا تجاهر فى الإعلان عن نفسها بقوة، وكان المنتمى إلى الإخوان يُكتفى بالإشارة إليه باعتباره «فاهم صح»!








مشاركة

التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

أحمد صابر

ذكريات

عدد الردود 0

بواسطة:

الشناوى

والله كلام جميل عن الاخوان بس ياريت فى الحلقه القادمه متهاجمهمش

عدد الردود 0

بواسطة:

ثوااااااااااااااار

الهجوم جاى

عدد الردود 0

بواسطة:

الامانة

ياريت ما تهاجمش

ارجوك خليك منصف من قبل الامانة

عدد الردود 0

بواسطة:

شاهد عيان

re6uy65uy65u56

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد

ان كنا فى هذه الفترة ننادى بقبول الاخر

عدد الردود 0

بواسطة:

أحمد مصري

ذكرياتي أنا ايضاً

عدد الردود 0

بواسطة:

أحمد محمد

زكريات جميلة

عدد الردود 0

بواسطة:

اسامة الابشيهي

قررت تاجيل الرد حتي نهاية حلقات المسلسل

عدد الردود 0

بواسطة:

اسامة هلال

هى وبعدين

الحكم بعد المداوله!!!!!!!!!!!!!

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة