علاقتى بسيناء علاقة خاصة متجددة، حيث شاركت - كمراسل حربى - مئات الآلاف من أبطال قواتنا المسلحة فى عبور القناة، واقتحام حصون خط بارليف، وإلحاق الهزيمة المدوية بجيش الدفاع الذى قالوا إنه لا يقهر!! وأذكر أننى - مثل الكثيرين - بمجرد أن وطئت أقدامنا أرض سيناء الحبيبة انحنينا عليها وقبلنا ترابها ورمالها، وهى تكاد ترقص من الفرحة بعودتها لنا، وتطهيرها من أخطر أعدائنا، وكان من الطبيعى أن أحرص على متابعة أى مشروعات تقام على أرضها متصورًا أنها بداية التنمية والتعمير، ولم يظهر إلا القليل جدّا من هذه المشروعات لعدد قليل جدّا من رجال الأعمال، أبرزهم بالتأكيد «الدكتور حسن راتب»، وظلت صحراء سيناء المترامية تلقى فى وجوهنا بأسئلتها الملحة عن دور الدولة فى تنميتها، وكنت - مثل غيرى - أشعر بخيبة الأمل لتقاعس الدولة عن تنفيذ ما أعلنته وأطلقته من تصريحات عن خطة التنمية، وبدا أنها اكتفت بترديد أغنية «سينا رجعت تانى لينا» «.. و.. خلاص!!» والمثير للدهشة أن الحديث عن أهمية تنمية وتعمير سيناء بدأ منذ الستينيات، وأمر الزعيم الراحل جمال عبدالناصر بوضع دراسة عاجلة لتحقيق ذلك، لكن نكسة 1967 حالت دون تنفيذها، ثم تجدد الحديث بعد انتصار أكتوبر واتفاقية كامب ديفيد، ومرة أخرى - وباغتيال الرئيس السادات - توقف الحديث لفترة قصيرة، عاد بعدها وسط حملة إعلامية هائلة تؤكد قرب تنمية وتعمير سيناء وزرعها بالبشر، ثم كانت المفاجأة الصادقة التى وصمت النظام السابق، وأثارت الشكوك والريب حول موقفة المستسلم - ولا أقول المتواطئ - مع إسرائيل، حتى أنه فى عام 1997 تم الانتهاء من مشروع ضخم يتناول كل جوانب قضية التنمية، تكلف أكثر من ستة مليارات يورو، كانت منحة من الاتحاد الأوروبى الذى رأى أن تعمير سيناء يمكن أن يغلق ملف الحروب بين مصر وإسرائيل، وقد أشرف على هذا المشروع خبير الجيولوجيا العالمى «الدكتور بهى عيسوى»، وبمجرد أن بدأت أولى مراحل التنفيذ بحفر بضعة آبار أثبتت ما أكدته الأبحاث عن توفر مياه جوفية تكفى لزراعة سيناء، «واتضح أن إسرائيل تسحب الكثير منها إلى أراضى النقب»، صدر قرار غريب مريب بإلقاء المشروع فى سلة المهملات، بل تم ردم الآبار التى كانت مقدمة لانطلاق العمل التنفيدى، وبالمناسبة يتفق تمامًا هذا الموقف مع ما أصدره الرئيس السابق من تعليمات «لرئيس مدينة نويبع وطابا» فى ذلك الوقت، «اللواء أحمد ناجى»، بعدم بناء مآذن للمساجد الجديدة لأن إسرائيل قد ترى فيها تهديدًا لميناء إيلات، بل إنه أمر بإزالة بعض المآذن قائلاً: «شيلوهم.. مش عاوزين وجع دماغ من الإسرائيلين»!!! هكذا كانت سياسة الانبطاح والاستسلام لكل ما تريده إسرائيل وأمريكا سببًا مباشرًا فى إجهاض أكبر مشروع قومى لمصر بتنمية وتعمير سيناء وزرعها بالبشر ضمانًا لأمننا القومى، خاصة أنها قد حباها الله بخيرات زراعية وثروات معدنية وخامات وإمكانيات صناعية وتعدينية وبحرية وسياحية، كما أن المشروع يحقق احتواء لأهلنا من البدو الذين كان لهم دورهم الوطنى المعروف أثناء نكسة 1967 وأثناء حرب أكتوبر، بغض النظر عن الصورة السلبية الغبية التى رسمها لهم أحيانًا كتاب وإعلاميون جهلة، والتى أضافت لها أساليب الأمن التى افتقدت للرؤية السياسية والاجتماعية، وبهذه المناسبة أعيد إلى الأذهان ما خططت له إسرائيل فى أعقاب النكسة، واحتلالها سيناء عندما مارس «موشية ديّان» كل وسائل الضغوط والإغراءات على شيوخ القبائل من أجل تنفيذ مخططه لانتزاع سيناء من مصر وتحويلها إلى إمارة مستقلة، واختار «الشيخ سالم الهرش» ليعلن قيام تلك الإمارة، ويكون على رأسها، واتصل الرجل بالمخابرات المصرية التى طلبت منه مسايرة «ديان» وإبلاغهم بالتطورات أولًا بأول، وفى اليوم المنتظر لإعلان الإمارة المستقلة، وأمام وسائل الإعلام العالمية التى حشدتها إسرائيل لنقل الخبر الذى يضرب مصر فى مقتل، طلب «ديان» من الشيخ سالم إلقاء بيان الإعلان، ووقف الرجل بجرأة وصلابة المصرى ليقول فى وجه ديان: «إننا نرفض مؤامرتكم، وسنظل جزءًا من مصر، وزعيمنا هو جمال عبدالناصر».
> والسؤال الآن! ماذا وراء هذه المقدمة الطويلة؟
> والإجابة تتضح من خلال النقاط التالية:
1 - الجريمة التى ارتكبتها إسرائيل داخل حدودنا وسقوط خمسة شهداء، ومن الممكن أن يكون الهدف الحقيقى لتلك الجريمة هو محاولة استكشاف موقف «مصر الثورة» بعد سقوط وتنحى من قالوا عنه «إنه كان الكنز الاستراتيجى لإسرائيل!».
2 - تجدد المخاطر التى تبعث من جديد المخطط الإسرائيلى لإعادة احتلال سيناء، أو اقتطاع مساحات منها لحل مشكلة إسرائيل فى غزة، والمعروف أن هذا المخطط أعلنه فى 1948 «بن جوريون» الذى أكد على ضرورة الاستيلاء على سيناء، وردده مؤخرًا «الجنرال جيورا إبلاند»، مستشار الأمن القومى الإسرائيلى.
3 - ما حدث مؤخرًا فى سيناء من ظهور بعض العناصر المتطرفة من «المتأسلمين» الذين رفعوا زورًا وبهتانًا راية «إمارة سيناء الإسلامية»، وسواء صدقت الشكوك فى التنسيق، بينهم وبين إسرائيل، أو كانوا مجرد امتداد لفكر حماس فى غزة، فإن الخطر الداهم قد لاح وظهر.
4 - إعلان حكومة الثورة عن إنشاء الهيئة العليا لتنمية سيناء، والمطلوب أن يبدأ التنفيذ فورًا خاصة مع وجود المشروع المتكامل الذى سبق إعداده «وإخفاؤه!».
5 - لم يعد هناك وقت لنضيعه، وليكن تعمير وتنمية سيناء «مشروعنا القومى» الذى تحتشد له مصر كلها ويحرك طاقاتنا وإمكانياتنا غير العادية، ويرسخ انتماءنا واعتزازنا بمصرنا الغالية، ويفتتح أبواب الأمل فى مستقبل مشرق رائع.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
سيناء أو غيرها