اليوم: «الجمعة» - الثالث والعشرون من شهر سبتمبر - يمكن أن يكون يوما تاريخيًا باعثاً للتفاؤل بالنسبة للقضية الفلسطينية، لتكون هذه «الجمعة» امتدادًا لأيام «الجمع» العربية، التى شهدت وتشهد فتح أبواب الأمل لمستقبل عربى باهر، خاصة أن هذه «الجمعة» احتشدت لها «مليونيات» هائلة من المشاعر والتمنيات العربية دعمًا ومساندًة للمسعى الفلسطينى لقيام الدولة الفلسطينية - عبر مجلس الأمن - كدولة كاملة العضوية بالأمم المتحدة، وإذا ما تعثر هذا المسعى بفعل فاعل معروف لتنحصر نتيجته فى مجرد «إنجاز معنوى» فإن ذلك لن يغلق الطريق تماما أمام بعثه وإعادته، ولعله مما يثير الأسى والحزن أننا لم نكن بحاجة إلى هذا التحرك فى هذه الأيام فقط وبعد أكثر من ستين عاما من قرار الأمم المتحدة، الذى نص على قيام دولة إسرائيل، التى حصلت فورًا على عضوية المنظمة الدولية، بينما تخلفنا نحن، ولم ينتبه عباقرة القانون والسياسة للعمل بنفس السرعة من أجل تأكيد وجود الدولة الفلسطينية كعضو هى الأخرى، فى الأمم المتحدة! على أى حال ما عاد هناك مجال للبكاء على اللبن المسكوب والدعاء على من أهملوا وتقاعسوا «وحسابهم عند الله.. إن شاء الله»، وها نحن نحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه - بعد أن تأخرنا كثيراً - حتى اختلطت الأمور، وارتبكت الموازين باختفاء نظام القطبين ومن ثم انفردت أمريكا بالعالم، وأعلنت انحيازها السافر لإسرائيل، وها هى تخوض الآن معركة اللحظات الأخيرة من أجل إجهاض الحلم الفلسطينى ووأد «جنين الدولة المنشودة»، وذلك بتصعيد الضغوط على رئيس السلطة الفلسطينية حتى يتخلى عن المطلب العادل، ويرضح للتعليمات الإسرائيلية - الأمريكية بالعودة إلى المفاوضات، برغم عقمها وفشلها السابق عدة مرات، وتتمثل هذه الضغوط فى التهديد بقطع المعونات الأمريكية عن السلطة الفلسطينية، بل تصل التهديدات إلى حد تقدم اللوبى الصهيونى الأمريكى - متمثلاً فى أكثر من ثلاثين عضوا بالكونجرس - بمشروع قانون يؤيد قيام إسرائيل بضم «الضفة الغربية» إليها إذا لم تتراجع السلطة الفلسطينية عن مطلب الاعتراف بعضوية الأمم المتحدة، «وتستكمل إسرائيل عملية التهديدات، وتنذر الفلسطينيين بسبتمبر أسود!!».
والمعروف أن أمريكا تسابق الزمن من أجل استقطاب أصوات أعضاء مجلس الأمن، وتمارس ضغوطا رهيبة على «الجابون» والبوسنة والهرسك، لتضمن «الصوت السابع»، الذى مكن أصوات الرفض للمطلب الفلسطينى، وحتى لا تضطر أمريكا إلى استخدام الفيتو إياه، وبالتالى تتعرض لإحراج بالغ يفضح انحيازها الفاقع لإسرائيل وازدراء للأمة العربية!
هذا هو المشهد الذى تتبلور ملامحه اليوم بالنسبة للقضية الفلسطينية العربية المزمنة، والتى اصطدمت بكل محاولات الحل السياسى من اتفاقيات ومفاوضات أهدرتها المراوغات والمناورات والاعتداءات الإسرائيلية، ومن ثم تأكد انسداد الأفق السياسى، وعجز المجتمع الدولى عن دفع إسرائيل إلى الحل السلمى السياسى والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، الذى لم يتبق أمامه من سبيل سوى الخروج من دائرة «رد الفعل» إلى «دائرة الفعل» بالتقدم مباشرة إلى الأمم المتحدة للحصول على عضويتها الكاملة، إنها بالتأكيد أوقات صعبة ودقيقة تمر بها القضية الآن، لكنها تمثل نقطة تحول فى مسارها، ولن تكون مجرد «إنجاز معنوى»، وحتى إذا نجحت أمريكا فى إجهاض هذا المسعى الفلسطينى العربى بحشد سبعة أصوات فى مجلس الأمن ضده مباشرة، أو باستخدام الفيتو المتربص، فإنها بذلك تكشف تماما عن الوجه القبيح، الذى يضع اللوبى الصهيونى ملامحه السوداء على «صورة أمريكا»، والمؤكد أن ذلك سوف ينعكس سلباً على أصدقائها فى المنطقة العربية مما قد يؤدى إلى انهيار الأمبراطورية الأمريكية فى المنطقة خاصة مع انطلاق الربيع العربى، الذى يخلق «شرق أوسط جديداً» لا مجال فيه للأنظمة، التى كثيرا ما انبطحت تحت أقدام واشنطن!
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
حسبي الله ونعم الوكيل
حسبي الله ونعم الوكيل
حسبي الله ونعم الوكيل