د. رضا عبد السلام

لماذا لا تكون رسوم قناة السويس بالجنيه؟

الخميس، 12 يناير 2012 10:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يتسابق شباب وعشاق مصر - بعد الثورة - للبحث عن أى شىء يدعم حلمهم بمصر عظيمة ومتقدمة. نعم.. الكل يحاول أن يبتكر شيئاً، أو أن يصل إلى فكرة أو مقترح يضع هذا البلد العظيم فى مكانة لائقة بين الأمم. ومن بين ما فكر فيه أبناء أم الدنيا مسألة، ربما كانت تشغل البعض من وقت لآخر قبل الثورة، ألا وهى "الجنيه المصرى وقناة السويس".

من يكره أن يكون الجنيه المصرى واحداً من العملات الدولية المحترمة؟! من يكره أن يعود الجنيه المصرى إلى سابق عهده؟! هل تتذكرون فيلم لإسماعيل ياسين: عندما أمسك بدولار فى يده وقال "ون دولار" يعنى ريال، أى أنه خلال أربعينيات القرن العشرين كان الدولار بعشرين قرشاً، أى أن الجنيه كان يساوى خمسة دولارات!! هل تتخيل هذا؟ نعم، كان الجنيه بخمسة دولارات، وبدأ الجنيه فى التقهقر، وبلغ ذروة قهقرته على يد المغوار، ضيف طره الحالى "عاطف عبيد" عندما تخطى سعر الدولار السبعة جنيهات مصرية!!

وحتى نفهم ببساطة مسألة سعر صرف الجنيه ومسألة رفعه وانعكاسات رفعه، دعونا نوضح بداية أن العالم عرف ثلاثة أنظمة صرف، أولها نظام الصرف بالذهب، والثانى نظام الصرف المقيد بقرارات الحكومة، والثالث نظام الصرف الحر، والذى يتحدد فيه سعر صرف عملة ما بناءً على عرضها والطلب عليها فى السوق العالمى، والعملة لا تطلب لذاتها، فهى مجرد ورقة، ولكنها تطلب ليتم من خلالها شراء سلع الدولة صاحبة تلك العملة.

نفهم من قولنا أعلاه أن نظام الصرف بالذهب ولى زمانه، حيث كان يتم ربط سعر العملة بجرامات معينة من الذهب، فكان يتم مثلاً ربط الجنيه المصرى بخمسة جرامات من الذهب، وكان يتم ربط الاسترلينى بعشرة جرامات من الذهب، وهذا يعنى أن جنيها استرلينيا واحدا كان يتم استبداله بجنيهين مصريين.. وهكذا، أما فى ظل نظام الصرف المقيد، فإن الذى يحدد سعر صرف العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية ليس الذهب وليس السوق ولكن قرار الحكومة أو وزير المالية، فالحكومة أحياناً ترى أهمية خفض سعر الصرف أو تقييد سعر صرف العملة الوطنية كما تفعل الصين الآن لتشجيع الصادرات.

أما نظام الصرف الحر، ومن اسمه، أن سعر صرف العملة يترك حراً فيرتفع وينخفض بناءً على قوى العرض والطلب، فعندما تحظى منتجاتنا المصرية باهتمام المستورد الأجنبى، سيتحرك هذا المستورد لطلب الجنيه المصرى ليتمكن من شراء السلعة المصرية.. وهكذا. فإذا كان الطلب الأجنبى على سلعنا أكبر من الطلب المصرى على السلع الأجنبية، فإن هذا سيعنى أن هناك طلبا أجنبيا أكبر على عملتنا الوطنية، وهذا يؤدى بالتالى إلى ارتفاع سعر صرفها أمام العملات الدولية.

من خلال العرض أعلاه، يتضح لنا أن قوة العملة فى ظل نظام الصرف الحر، الذى تتبناه مصر حالياً، تأتى من قوة الاقتصاد، وبما أن الاقتصاد المصرى ليس اقتصاداً قوياً، بل اقتصاداً مريضاً منذ عقود، فإن اعتمادنا الأكبر فى تلبية احتياجاتنا سيكون على الخارج، أى أن عملتنا المصرية هى التى تطارد العملات الدولية، فلك أن تتخيل انعكاسات هذا الوضع على سعر صرف الجنيه.
نأتى الآن لتطبيق كلامنا أعلاه على مسألة سعى البعض من شرفاء وعشاق مصر لإجبار الناقلات العابرة لقناة السويس على الدفع بالجنيه المصرى وليس الدولار. وفى الحقيقة، تحصل مصر على عائدات قناة السويس من خلال آلية دولية تسمى وحدات السحب الخاصة، وهى تكون حاصل متوسط أسعار أربع عملات دولية من بينها الدولار، وذلك للحفاظ على عائدات بعيدة عن تقلب سعر صرف عملة دولية بعينها.

علينا أن نعلم بداية أن عائدات قناة السويس لا تزيد عن 5 مليارات جنيه! وهذا المبلغ لا يتعدى نسبة 5% من إجمالى إيرادات الدولة!! نفهم من هذا أن وزن العائدات من قناة السويس، وإمكانات تأثيرها على سعر صرف الجنيه محدودة. والسؤال هنا، لمَ لم يفكر البعض فى تعميم الفكرة على السياحة؟! ألا تدر السياحة على البلاد أكثر من 10 مليار جنيه؟! أليس أولى بأن نطلب من السياح الدفع بالجنيه وليس الدولار أو غيره؟!

يا إخوانى، المسألة أكبر من قناة سويس أو سياحة، أضف إلى ذلك أن رفع سعر صرف العملة ليس خيراً محضاً، أنتم تتمنون ارتفاع سعر صرف الجنيه، وأمريكا تكاد تقبل يد الصين لأن تحرر عملتها وتتركها لترتفع! فالصين تحارب لخفض سعر صرف عملتها حتى تواصل رحلتها التصديرية، نعم.. سيترتب على ارتفاع سعر صرف الجنيه خفض فاتورة الواردات، فبعد ارتفاع سعر صرف الجنيه أمام الدولار – مثلاً – سيصبح بإمكانى استيراد وحدتين بعد أن كنت أستورد وحدة واحدة عندما كان سعر الصرف منخفضاً، ولكن ماذا عن الصادرات؟! ألن يترتب على رفع سعر صرف الجنيه جعل صادراتنا أكثر تكلفة بالنسبة للمستورد؟! نعم، وبالتالى ستتراجع صادراتنا، وبالتالى حصيلتنا من العملة الصعبة، فضلاً عن تراجع الإنتاج المحلى، ومن ثم فرص العمل والدخول...الخ!!

الأمر الآخر، وهو الأكثر أهمية الآن، ما الذى تحتاجه مصر حالياً؟ بعبارة أخرى، ألم تسمع عن تراجع احتياطات النقد الأجنبى من 33 مليار دولار قبل قيام الثورة إلى نحو 18.1 مليار دولار فى ديسمبر من نفس العام؟! لقد تراجع الاحتياطى بسبب اعتمادنا على الواردات، وبالتالى السحب من الاحتياطى حتى وصلنا إلى ما نحن عليه، لذا، أليس من مصلحة مصر فى ظروفها الراهنة الحصول على الرسوم فى شكل عملات صعبة، نستخدمها لاستيراد ما نحتاجه من سلع أساسية؟!
يا إخوانى، حتى يقوى الجنيه المصرى، نحن بحاجة لأن نعمل وننتج ونصدر، عندها سيتسابق العالم لشراء منتجاتنا، ومن ثم سيتسابق لطلب عملتنا، وبالتالى سيتحقق الارتفاع الذى ننشده.

من جهة أخرى، ربما يكون بإمكاننا كعرب – إن شاء الله – وبعد أن يغرد الربيع العربى على كافة البقاع العربية، أن ننشئ عملة عربية موحدة، مثل اليورو فى أوروبا، عندها سيكون لدينا كتلة اقتصادية متنوعة، وهى الكتلة العربية بتنوع مواردها وإمكاناتها، عندها سيكون الأجانب، من أوروبيين وأمريكيين وآسيويين، بحاجة إلى حمل عملتنا فى حافظاتهم وفى بنوكهم، ليتمكنوا من استيراد سلعنا والتعامل معنا بندية وباحترام أكبر.

ولكن مصر وحدها - وبإمكاناتها الحالية - لا تكفى، نسأل الله تعالى أن يوفق حكامنا العرب الجدد - ومن سيستجد منهم - للعمل من أجل وحدة اقتصادية عربية حقيقية، ومن ثم وحدة نقدية عربية، تجسد طموحاتنا الواسعة بسعة عالمنا العربى.. والله الموفق.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة