د. هانى أبو الحسن

كيف تهدم وطن!!

الأحد، 15 يناير 2012 09:50 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كثيراً ما تعتد الأمم فى تصنيفها لمدى التقدم الذى تتمتع به دولة ما دون غيرها، بملفات اقتصادية كسعر صرف عملتها وحجم صادراتها أو قدرة صناعاتها على المنافسة أو المخزون الاستراتيجى من نفطها، أو تعتد بملفات عسكرية واستعمارية كقوة جيشها وتقدمه التكنولوجى والنووى وأساطيل بوارجها الحربية.. ولكن ما هو غافل عنّا وعن الكثيرين من قوة الدولة هو الكم الذى تتمتع به من القوى البشرية.
أبعاد مهمة فى ثقافة الشعب وسلوكه ترفعه لعنان السماء تمام كما تخسف به لأعماق الأرض.. فقد تربينا منذ عقود فى وطننا الغابر على المظاهر والاستعلاء والتفاخر باليافطة دون الجوهر، ثم جاءت عبقرية التكنوقراط التى اقتصرت الأهداف فيها على تولى المناصب العالية التى لا حول لها ولا قوة دون وقود الإنتاج من الفنيين والحرفيين.. حتى تحولت الشهادة العليا إلى برواز على الحائط يفاخر بها صاحبها ولا يعرف كيف يكتب اسمه!! لتفقد مصر أحد أهم روافد التقدم وهو التعليم والتأهيل المهنى.. المهن الحرفية كثيرة وعليها تنهض كافة أعمدة التقدم والنجاح لأى مجتمع.. ومع هستيريا القمة فى سباقنا الأجوف للحصول على الشهادة العليا بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة من الغش ودفع الرشاوى والمحسوبيات، ما جعلها تفقد قيمتها حتى أصبح من الممكن أن تحصل على الدكتوراه وأنت لم تحصل على الثانوية العامة!!
كتبت عشرات المقالات والدراسات حول رحيل الكفاءات الفنية والحرفية منذ استولت الدولة العثمانية على مصر، فدفعت بأفواج من أمهر الحرفيين إلى القسطنطينية.. ثم ظهرت أجيال جديدة من الحرفيين لم تجد لنفسها فرصة للعيش بكرامة أو حتى تتأهل لإتقان حرفة فى ظل ثقافة استعلاء لمجتمع يفاخر ببرواز الدكتوراه على الحائط حتى أصبح بمصر أربعة آلاف عاطل ببرواز دكتور!!
فى إحدى الدول المجاورة ولا أريد أن أقول عربية حتى لا يتصور البعض أنها تنتمى لدول الجزيرة العربية وكأن توصيف عربية لا ينطبق سوى على تلك المنطقة.. ماعلينا.. فى هذه الدولة التى تصنّف من دول الصراع الطائفى والحروب الداخلية والأزمات.. لا يمكنك أن تتصور مستوى النظافة الذى تتمتع بها الشوارع والمرافق العامة والمحلات للدرجة التى تجزم فيها بأنك على استعداد للنوم فى الحمام!! فمن المعطرات للنظافة وبريق كافة الأسطح للوحات الفنية والإضاءة لعدم تسرب المياه.. إلخ ما يجعلك تتناسى حقيقة المكان الذى أنت فيه.. هم فحسب يتقنون العمل لتتسلمه يدك مكتملاً.. أما إذا ابتليت ذات يوم فى وطننا العظيم برغبة فى دخول الحمام فلا حاجة بك لبذل مجهود لأنه بمجرد اقترابك من باب الحمام ستجد من يوفر عليك العناء ويضع يده فى بنطالك ليقبض (الإتاوة).. وأما إذا ابتليت بعطل ما فى أسانسير أو حمام أو كهرباء أو نجارة أو دهانات أو ميكانيكا؛ فأنت هالك لا محالة.. ويمكن القياس بالمثل على جودة التصنيع والتشطيب لمنتجاتنا الصناعية.. لا شىء متقن على الإطلاق.. كنت قد أشرت فى لقائى السابق بكم (لعطاءات مظاريف مغلقة هانم)، ولكننى لم أنوّه إلى أن كله يتسلم بلجان (البركة)، وعلى المكشوف.. هستيريا عمليات ترميم وتطوير لا تنتهى.. والكل يوقّع (كله تمام يا ريس) من استشاريين لمهندسين لمقاولين، والكل يقبض ويذهب هانئاً لبيته.. وبمجرد أن تلمس مقبض أو تفتح حنفية حتى تدرك الحقيقة المرّة.. فكل ما تلمسه بعد أى عملية تطوير يلتصق بيدك!
لابد أن تتغير ثقافة المجتمع الاستعلائية.. لابد للأسرة من الكف عن مطالبة أبنائها بما لا يملكون بحثاً عن الشهادة الكبيرة وبكالوريوس القمة!! وليكف كل عائل لعروس عن إثقال كاهل من يتقدم للزواج بها بطلبات وهمية لا تسمن ولا تغنى من جوع.. كم نسبة من يتخرجون من الكليات فيعملون بائعون أو سائقو تاكسى أو عاملو نظافة؟!! ومع ذلك فهم حتى لا يمتلكون التأهيل أو الخبرة لكى يصبحوا عمّال نظافة!! فإلى أى مدى تمتهن الشهادة لأنها حتى لم تمكّن صاحبها من أداء أبسط المهن بإتقان.. ولكن ما نفلح فيه أكثر من محاولة إتقان مهنة والاستفادة من خبرات السابقين فيها، أننا لا نكف عن سب الدولة ورؤسائها وحكومتها لأنهم لا يوفرون فرصة عمل.. حتى نجد من لا شأن له بالمهنة يمتهنها ويصبح من أكبر أعلامها!! وتلك ورقة أخرى من ملف (كيف تهدم وطن)!!





مشاركة




التعليقات 4

عدد الردود 0

بواسطة:

عاصم سامي عبد العزيز

الله ينور عليك

عدد الردود 0

بواسطة:

bassant

رائع

عدد الردود 0

بواسطة:

Moustafa Awad

كلام محترم جدا

عدد الردود 0

بواسطة:

مبارك بن شافي الهاجري

أحسنت

موضوع جميل و طرح راقٍ

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة