د. رضا عبد السلام

مع كل صباح... هل سألت نفسك السؤال التالى؟!

الجمعة، 05 أكتوبر 2012 02:45 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
د. رضا عبد الســـــلام

أقوم حالياً بإعداد محاضرة لشباب أعضاء هيئة التدريس بجامعة المنصورة حول الابتكار وحقوق الملكية الفكرية. وكما يقولون، لغة الأرقام لا تكذب. فقد استوقفنى رقم عدد براءات الاختراع المسجلة أمام مكتب البراءات المصرى، وخاصة عند مقارنته بعدد البراءات المسجلة أمام مكاتب البراءات فى بلدان كألمانيا أو اليابان أو حتى الصين أو الهند. وجدت على سبيل المثال أن عدد البراءات المسجلة فى مكتب البراءات المصرى 824 براءة عام 2005م مقارنة بحوالى 400 ألف براءة أمام مكتب البراءات اليابانى فى ذات العام! وكأن المواطن أو الإنسان اليابانى ولد ليخترع.

الشاهد هنا أننا لو توقفنا للحظات فى المحطة اليابانية سيصيبنا الذهول، لأننا سندرك أننا شعب يتحدث أكثر مما يعمل. ففى الوقت الذى يحارب فيه اليابانيون لزيادة ساعات العمل وإلغاء الإجازات الأسبوعية، تجد العامل أو الموظف المصرى قبل أن ينام وبعد أن يستيقظ من يومه لا يشغله سوى التفكير فى إجازة أو التحايل للحصول على علاوة أو التزويغ من العمل أو فى وسيلة تسلية، لتمضية وقت العمل الممل!!

ماذا تنتظر من شعب مستهلك غير منتج؟! مستورد غير مصدر؟! ماذا تنتظر من شعب يفكر فى حقوقه قبل أن يفكر فى التزاماته أو ما ينبغى عليه عمله؟! كلنا يعلم بالتقديرات العالمية المخجلة الخاصة بإنتاجية العامل المصرى والعربى، والتى لا تتعدى العشرين دقيقة فى يوم عمل كامل!! مقارنة بنحو ثمان ساعات كاملة للعامل فى اليابان وأغلب دول النمور الآسيوية.

عليك عزيزى القارئ أن تركز معى قليلاً وأن تجتهد لتحديد أعداد المنتجين الحقيقيين فى المجتمع المصرى وأن تقارنهم بأعداد بتوع الثلاث ورقات ومن يجيدون اللعب على الحبال والتسلق على أكتاف الآخرين. مؤكد أنك ستدرك الحقيقة المرة التى نحاول جميعاً إخفاءها، وهى أن جل أفراد المجتمع هم متطفلون ومستهلكون غير منتجين، أى أن أغلب أفراد المجتمع هم عالة على هذا المجتمع. أنَىَ لمجتمع مهلهل هكذا أن يدخل فى عداد الدول الصاعدة بعد عشر أو حتى خمسون عاماً؟!

أعود وأكرر السؤال الذى عنونت به المقال: هل سألت نفسك أو فكرت – مع إشراقة كل يوم جديد – ماذا ستضيف إلى عملك أو وظيفتك، ومن ثم إلى اقتصاد بلدك؟ أم أن جل تفكيراً منصباً على المطالب والمستحقات، حتى ولو لم تقدم أى إنتاج حقيقى يأخذ بلدك خطوة إلى الأمام؟! مؤكد أنه لو كان تفكير كل مصرى (عامل أو موظف) منصباً على إضافة جديد لعمله ووطنه لكانت مصر فى حال غير الحال...أليس كذلك؟!

أعلم علم اليقين أن المجتمع تسوده حالياً ثقافة عدم المبالاة، وربما لن يلتفت الكثيرون إلى ما ورد بالمقال، لأن المجتمع والإنسان المصرى أصابه قدر كبير من التجريف فى شخصيته وثقافته، وخاصة ثقافة العمل والإنتاج والإبداع. فالثقافة السائدة حالياً يحكمها منطق "إللى تغلب به إلعب به" "وأنا وبعدى الطوفان"...إلخ.

ولهذا فى مثل هذه البيئة المشوهة يلزم تدخل الدولة، باتخاذ قرارات صعبة ومصيرية، سواءً على مستوى التعليم أو على مستوى الهيئات والمؤسسات الحكومية. فالرقم الذى أشرت إليه فى صدر المقال (وهو الخاص بعدد براءات الاختراع) إنما يعكس ليس فقط تردى مخرجات التعليم وبالتالى تراجع معدلات الإنتاج، ولكنه يعكس أيضاً تردى وبيروقراطية وخمول وتخلف المؤسسات الحكومية، ومنها مكتب البراءات، الذى يشكل جهاز طارد لكل مبدع من أبناء مصر.

مؤكد أنك فى مؤسسة مهمة كمكتب البراءات ستجد الموظفين البيروقراطيين، من عينة فوت علينا بكره، أو ممن يقتلون الأمل والطموح بإهمال البراءات أو عدم سعيهم لتطوير أنفسهم.. أنت تسمع لهم صوت أو تعرف بأنهم أحياء فقط عندما تجدهم متجمعين فى مظاهرة للمطالبة بزيادة الرواتب والحوافز.. ما قيل بشأن مكتب البراءات يقال بشأن العاملين فى هيئة الطاقة الذرية أو غيرها من مؤسسات الدولة المترهلة.

وحتى لا يقال بأننى فقط أطلق اتهامات أقول؛ إن نجاح مكاتب البراءات فى ألمانيا أو اليابان فى اجتذاب العلماء للتسجيل لديها سببه أن العاملين فى تلك المكاتب ليسوا موظفين بيروقراطين، وإنما هم موظفون أكفاء يعملون ليل نهار بالتنسيق مع الشركات (كل فى تخصصه) لتحويل الاختراعات إلى منتجات يتم تصنيعها وتصديرها إلينا بعد ذلك!! ولهذا لا نعجب عندما نعلم أن الكثير من المخترعين المصريين يفضلون تسجيل ابتكاراتهم فى الخارج على أن يقتلوها أو يقتلوا أنفسهم فى مكتب البراءات المصرى!

آن الأوان لأن تكون هناك معايير ومؤشرات موضوعية لقياس أداء وإنتاجية العامل المصرى.. بحيث يكون الأجر أو الحافز مقابل الإنتاج والإبداع... أما أن نواصل الرحلة التى بدأها عبد الناصر ومن بعده السادات ومبارك فعندها سيصدق فينا قول الحق "إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون" صدق الله العظيم.

نفهم من كلامنا أعلاه أنه "وكما للتقدم أسباب فإن للتخلف أيضاً أسباب". لا يمكن لمصر أن تحقق التقدم المنشود فى ظل سيادة ثقافة العمل والإنتاج القائمة. لذا لابد وأن نربى فى أجيالنا القادمة - بدءًا من المرحلة الابتدائية – ثقافة العمل والإبداع والإنتاج، وفى نفس الوقت علينا أن نشرع فوراً وبالتدريج بتطهير مؤسساتنا الحكومية، وتغذيتها بدماء شابة طموحة، وقادرة الانتقال بمصر بحق إلى عداد الدول المتقدمة. اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.

أستاذ بحقوق المنصورة.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة