قطب العربى

العصمة بيد الشعب

الإثنين، 17 ديسمبر 2012 08:09 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
استرد الشعب المصرى زمام المبادرة من النخبة التى ظلت تتحدث باسمه على مدار السنتين الماضيتين، ولم تفلح هذه النخبة بأجنحتها المختلفة من إسلامية وليبرالية ويسارية فى إدارة حوار ديمقراطى بينها، والتوصل إلى تفاهمات وتوافقات حول كل القضايا الحساسة، بل إن هذه النخب أحدثت حالة من الاستقطاب الشديد والتنازع الخشن الذى وصل إلى حد إطلاق الرصاص على مصريين أوقع عشرة قتلى على الأقل أمام قصر الاتحادية ناهيك عن قتلى ومصابين فى أماكن أخرى مثل شارع محمد محمود والإسكندرية وأخيرا سقوط 5 من القتلى فى حادث سير لبعض المتظاهرين أثناء عودتهم إلى مدينتهم «إدكو» رحم الله الجميع.
أمام هذه الحالة من الاحتراب السياسى بين أبناء الوطن كان لابد للشعب أن يتدخل بنفسه لحسم النزاع باعتباره هو مصدر كل السلطات، وباعتباره هو صاحب المصلحة فى وطن مستقر ديمقراطى حر، خرج الشعب بالملايين بشكل تجاوز طوابير مارس 2011 (موعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية الأولى) وانتخابات مجلسى الشعب والشورى وانتخابات الرئاسة، للدرجة التى دفعت اللجنة العليا للانتخابات لمد التصويت أكثر من مرة لاستيعاب هذه الحشود التى اصطفت لساعات طويلة أمام اللجان فى ظل برد قارس، وكان اللافت حضور المسنين والسيدات وصبرهم طويلا أمام اللجان رغم ظروفهم الصحية والسنية.
خرج الشعب إذن ليحسم الصراع والتناحر بين الأحزاب والحركات والجماعات السياسية أبناء الوطن الواحد، وأمسك الشعب العصمة بيده، ليلقن السياسيين درسا بليغا، أن التفويض الذى يمنحه لهم ليس تفويضا دائما، بل عليهم أن يعودوا إليه عندما يحتدم بينهم الخلاف، هذه هى الديمقراطية، وهل هناك من يدعى أنه يحسن التعبير عن الشعب إذا كان الشعب ذاته حيا يرزق وقادرا على التعبير عن رأيه بكل حرية وشجاعة؟!
وبغض النظر عن النتائج الأولية للمرحلة الأولى التى لن تكتمل إلا باعلان نتائج المرحلة الثانية بنهاية يوم السبت المقبل، فإن خروج الشعب بهذه الكثافة هو النجاح بذاته، ونحن نفخر الآن أن شعبنا المصرى أصبح حاضرا بقوة وفارضا لهيبته على نخبته وممثليه، ولم يعد لأحد بعد اليوم أن يتجاهل رأيه وغضبته.
لم يكن متصورا أبدا من قوى تدعى الديمقراطية والمدنية أن ترفض الاحتكام إلى الشعب حين احتدم خلافها مع قوى التيار الإسلامى، ولم يكن متصورا أن يعلن قادة هذه القوى الليبرالية واليسارية أنهم لن يقبلوا نتيجة الاستفتاء، وأنهم سيواصلون جهودهم لإسقاط الدستور مهما كانت نتيجة الاستفتاء رغم أن تلك القوى قبلت فكرة الذهاب إلى الصندوق ودعت أنصارها للتصويت برفض الدستور.
مرة أخرى يذكرنا هذا المسلك بموقف القوى العلمانية فى الجزائر التى رفضت نتيجة الانتخابات النيابية فى العام 1992 وقام الجيش بانقلاب عسكرى مدعوما بالقوى العلمانية وهو ما أدخل الجزائر فى عشرية سوداء استمرت حتى 2002 ودفع خلالها الجزائريون ثمنا باهظا من مئات آلاف القتلى والمفقودين ناهيك عن التكاليف الاقتصادية، وكان من الممكن تجنب كل تلك المشكلات لو اعترف الانقلابيون بنتيجة الانتخابات ومنحوا الفرصة لجبهة الإنقاذ لتولى المسؤولية.
لا أحد يستطيع الادعاء الآن أن النتيجة النهائية للاستفتاء ستكون بأغلبية كبيرة بالموافقة أو الرفض بعد التذبذبات التى شهدناها خلال عمليات الفرز وإعلان النتائج الأولية للجولة الأولى، ولكن يبقى أن الجميع ملزمون بقبول نتيجة الاستفتاء حتى لو كانت بفارق طفيف قبولا أو رفضا.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة