خالد أبو بكر

هدوء الثورة لبناء الدولة

الإثنين، 13 فبراير 2012 10:31 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى ذكرى مرور عام على ثورة يناير، لابد أن نقف جميعا مع أنفسنا لنسأل: ماذا فعلنا طوال عام مضى لصالح هذا البلد؟ وهل نجح الشعب فى إدارة بلاده بعد تحرره من ميراث نظم شمولية حكمت لسنوات زادت على الستين؟ وعندما أخذنا حقنا فى تقرير مصيرنا بانتخابات حرة وديمقراطية، هل نجحنا فى الاستفادة بهذا الحق؟ وهل كنا على استعداد للديمقراطية الحقيقية؟ وهل زال الفساد بزوال رموزه؟ وهل تحقق العدل بقيام الثورة ضد الظلم؟ وهل نجحنا فى سن تشريعات للمستقبل تبطل تشريعات الماضى؟
الإجابة وبالصوت العالى لا ثم لا.
أصعب شىء ألا يعرف المريض ما هو نوع المرض كى يعالجه علاجا صحيحا، فإذا اختلط عليه الأمر بات يتناول علاجا لا تأثير له على مرضه ويؤثر عليه سلبا لا محالة.

أولا: اعتقدنا أن العيب فى الأنظمة الحاكمة وحدها، أبدا... هناك عيوب أيضا فينا وهناك مشاكل فى مجتمعنا تحتاج إلى ثورة ثانية، فالأنظمة السابقة كانت سببا فى جهل الكثير من أبناء وطننا، وجعلت بعضهم عرضة للأهواء نظرا لضعف ثقافتهم، وهذه الفئة كانت الأنظمة الفاسدة تستخدمها كثيرا لخدمة مصالحها غير القانونية، وعندما غاب القانون ظهرت هذه الفئة الإجرامية فى مجتمعنا وأصبحنا نواجه أخبار الجريمة كل صباح، وكأنها أصبحت شيئا عاديا فى حياتنا اليومية.

فأولى القضايا التى خسرناها بعد الثورة أننا لم نستطع احترام القانون الذى ولدت الثورة من أجل تفعيله، واستطاع البعض القليل منا – وهم منا ولا يجب أن ننكر - أن يضفى بسلوكه الهمجى الإجرامى حالة من عدم الاستقرار فى نفوس المجتمع كاملا.

ثانيا: ثورة يناير أحدثت نظرية جديدة فى الشوارع المصرية وهى نظرية الحشد الميدانى سواء من أجل مطالب فئوية أو سياسية، واختلط الأمر فيما بين حق التظاهر وكيفية تنظيمه وبين تعطيل مرافق الدولة وغلق الشوارع واستخدام العنف ضد أفراد ومبانٍ ومنشآت عامة.
ووقف وزير الداخلية يسأل البرلمان، ماذا أفعل عندما أجد هجوما على وزارة الداخلية، هل أقاومه بما لدى من سلاح أم أترك هؤلاء يتقدمون إلى ناحية مبنى الوزارة؟ الحقيقة أننا لابد أن نجيب للرجل عن هذا السؤال، فلا يعقل أن نغير وزير داخلية كل شهرين أو أن يكون مصير كل وزير داخلية هو الاتهام بالقتل والإصابة، وأيضا هذا المنصب لم يصبح ذو رونق بعد الثورة، فالجميع أصبح يتسابق فى فضح الفساد، فلا يملك وزير الداخلية اليوم أن يعمل لصالح مصلحة نظام بعينه، أو أن يحقق ربحا ماديا نتيجة استغلال نفوذه، وأصبح أقصى طموحه أن يصبح وزيرا سابقا دون اتهامات.

هنا لابد من أن ندرس إمكانية إنشاء قانون للتظاهر يبين الأماكن والمواعيد المحددة لذلك، وأن يكفى للتظاهر فى هذه الأماكن مجرد الإخطار، وبشرط أن تبعد هذه الأماكن عن المؤسسات الحيوية للدولة، كذلك لابد من الإعلان عن وجود منطقة حمراء أمام المؤسسات الحيوية للدولة، وينبه على المواطنين أن التجمهر بأعداد معينة فى هذه الأماكن يعرضهم للمساءلة القانونية، كما أنه يحظر على أجهزة الدولة تتبع المتظاهرين فى هذه الأماكن أو القبض عليهم.

كذلك لابد من استحداث وتعلم نظريات شرطية جديدة فى مواجهة التظاهرات، وأن يكون منهج المواجهة الأمنية عماده وهدفه الأساسى المحافظة على المواطن وحياته أولا، ثم الحفاظ على المنشآت العامة ثانيا.

ولا أعرف لماذا اخترنا جنود الدرجة الثالثة كى يتعاملوا مع المواطنين، ويبقوا فى النهاية ضحية لنقص ثقافتهم وقلة تدريبهم من جهة ومن جهة أخرى وضعهم الدائم فى الصفوف الأولى للمواجهة ولو استشهد منهم أحد، أقصى ما يعطى لأهله بضعة آلاف، ولا نعلم عنهم شيئا وهم أبناؤنا أيضًا.

ثالثا: مما لاشك فيه أن تسليم المجلس العسكرى حكم البلاد أتى بشكل لم يختره الشعب ولم يستفتِ عليه وإنما حاز الرضاء فى بداية الأمر، لكن المهمة التى أسندت إلى المجلس لم تكن مهمة إعداد الجنود والمعدات للقتال وإنما كانت مهمة حكم البلاد طوال عام كامل، ونحن لا نشكك فى مهارتهم فى الأولى ولكننا عانينا تماما وسنعانى لسنوات نتيجة فشلهم فى المهمة الثانية، وهذا الفشل تمثل فى تشريعات وإعلانات دستورية وتخبط فى المواقف وتصريحات عرجاء ومواقف غير مفهومة واتخاذ قرارات والرجوع فيها، وعدم القدرة على التعامل مع القوى السياسية المختلفة، والتنسيق الكامل مع تيار سياسى دون غيره.

كل ذلك أدى إلى برلمان أتى بشرعية من استفتاء اختار مواده بعض من رجال المجلس العسكرى، وقانون لانتخاب رئيس مصر القادم فصله قادة هذا المجلس، وأصبحنا نحكم حالنا ومستقبلنا وفقا لرؤيتهم، ولا أعرف لماذا لا يراجع البرلمان هذه القوانين التى صدرت عن المجلس العسكرى طوال فترة عدم انعقاده، وهو الأمر الذى يطبق على قرارات رئيس الجمهورية التى يكون لها صفة القانون والتى يصدرها فى غيبة مجلس الشعب، لكن على ما يبدو أن الأغلبية فى المجلس لاتريد ذلك لعلة أو لاتفاق مسبق، الله أعلم، لكن ظهر لى فى هذا الأمر غياب للشفافية وهو ما كنا نعانى منه فى الماضى.

رابعا: لو جمعنا الأعداد التى تحاكم من رموز النظام السابق لما تعدوا العشرين، وهل الدولة كانت فاسدة بسبب عشرين شخصا؟ وأين تابعوهم فى كل المؤسسات، أين من كان يتودد إليهم بسطاء الناس من أجل قضاء حوائجهم عند علية القوم.

وهذه الفئة هى التى كنا نراها خدما وأنصاف رجال أمام النظام الحاكم، وكانوا أمام الشعب يظهرون بمظهر القوة، نتيجة علاقاتهم مع النظام، وهؤلاء ستجدهم فى كل الأماكن قضاء وصحافة وإعلام وتشريع وحكومة وجهات رقابية، لأنه بالمنطق هذا النظام السابق لم يكن ليستطيع أن ينفذ سياساته دون أشخاص من ضعاف النفوس الذين يمكن توجيههم والسيطرة عليهم ونشرهم فى كل مؤسسات الدولة.

وإذا بدأنا فى خطة تطهير، فعلينا أن نعلى النظر إلى أعلى تماما، فلا تطهير إلا من أعلى إلى أسفل، وأحسب أن هذه ستكون مهمة الرئيس القادم إن كانت له شخصية لا تتأثر بقوة المؤسسة العسكرية أو المؤسسة البرلمانية، وهما القوتان اللتان سيضطر الرئيس القادم للتعامل معهما.

تلك نقاط أرى أنه علينا جميعا أن نفكر فيها ويجب أن ننظر فى المرآة قليلا كى نرى عيوبنا ونضع أيدينا عليها، كى نتمكن من التشخيص الصحيح لأمراض مجتمعنا، ثم نحدد الدواء ونلتزم به جميعا.

فى ذكرى مرور عام على هذه الثورة، لا تجعلوا أرواح من استشهد فى سبيل إعلاء هذا الوطن رخيصة، فقد مات من مات كى نعلو ببلدنا لا لكى نرجع بها إلى الخلف، ولا يجوز بأى حال من الأحوال التذرع الدائم بأن لدينا إرثا ثقيلا من الماضى، لأن لدينا واقع أبنائنا ومستقبلهم والذى لا يعرف الأعذار وإنما يريد حلولا عملية ومؤثرة وفعالة، ومن لم يجد فى نفسه قدرة على الابتكار والعمل المتقن لصالح هذا البلد، عليه أن يلزم بيته ويلتزم بما سيقرره من يأتى بعده.

بعد مرور عام على حصول الشعب المصرى على حريته أقسم وأعتقد أنكم جميعا ستقسمون معى على أننا لا نسكت يوما على ضياع هذه الحرية مرة أخرى وإن كلفنا ذلك أرواحنا. كل عام ومصر الكبيرة حرة.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة