خالد أبو بكر

بلادك وإن ضعفت ستبقى عزيزة.. وأهلك استأمنوك وكانوا كراما

الإثنين، 27 فبراير 2012 03:50 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كانت لحظة فارقة فى تاريخ الشعب المصرى يوم 3 أغسطس من العام الماضى وفى تمام العاشرة صباحا عندما رأينا الرئيس السابق مبارك يدخل إلى قفص الاتهام محمولا على سرير نظرا لحالته الصحية، وأدعو للناس جميعا بالشفاء، وكنا نتساءل: هل سيأتى أم لا، وكانت الإجابة بتوقيع من المجلس العسكرى وبعد إصرار من أغلبية الشعب المصرى، فقد قررنا أن يسود القانون على الجميع حاكما ومحكوما.
وبدأت رحله طويلة امتدت تقريبا لسبعة أشهر، كنت أرى فيها مبارك بشكل يومى فى أوقات المحاكمة، ووقفنا كثيرا أمام صدمة المشهد الأول وقلنا جميعا إن الملك لله وحده فدخول مبارك قفص الاتهام عبرة لكل صاحب جاه أو سلطان أن يتقى غضب ربه الذى عندما ينزل على عبده يأتى من حيث لا يحتسب.
لكن للأمانة كنت أسأل نفسى: ما الذى أوصل هذا القائد العسكرى إلى قفص الاتهام متهما بالاشتراك فى قتل أبناء شعبه وإهدار أموالهم؟
لا يمكن لشخص عادل متجرد أن ينكر أن مبارك كان ضابطا منضبطا وكان قائدا شهد له الكثيرون بالجدية والالتزام والإخلاص فى العمل، ونحن لا ننكر عليه هذا التاريخ لأننا دعاة عدل ولسنا دعاة انتقام.. لكن كيف تحول هذا العسكرى فى الفترة الأخيرة من حكمه إلى صورة من صور الحاكم الذى لم يبال بمقدرات شعبه بالقدر الذى حرص فيه على بقائه فى السلطه 30 عاما ووصل الأمر إلى حد التفكير فى أن يكون ابنه هو من يخلفه فى الحكم؟
إننا بالتأكيد أمام تجربة إنسانية تستحق الدراسة، لكن لا يوجد إنسان سيئ على المطلق أو خيّر على المطلق جميعنا نخطئ ونصيب وهذه القاعدة يمكن أن تطبق على سنوات حكم مبارك، لكن ما لا يقبل إطلاقا أن نقيم أو يكون لنا رأى عندما يرتكب أى شخص جريمة لا سيما إن تعلقت بإهدار أرواح أو بأمانة كانت مفترضة فى من سلمت إليه فلم يحافظ عليها، هنا الوضع يكون مختلفا فالأمر يكون بيد القاضى الذى لن يسأله إلا ربه وعلى هذا القاضى أن يتجرد من مشاعره ويقيم الواقعة محل الاتهام فإما أن يبرئ وإما أن يدين لكن المشكلة الحقيقية أن الشعب المصرى اعتبر أن مبارك يحاكم على ما عاصره الشعب المصرى من فساد وحكم أمنى واعتقال البعض ومصادرة أموالهم واحتكار فئة قريبة من السلطة لمشروعات اقتصادية وتردى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الحقيقية... لا مبارك كان يحاكم على جرائم محددة بعيدة تماما عما يظن الشعب المصرى الذى أراد أن يقتص لسنوات عاشها فى ظل حكم هذا النظام.. والحقيقة أننى كنت أتخيل أن أجد مبارك شامخا مدافعا عن نفسه يقول إذا كنتم تتهموننى بشىء فتلك كلمتى إليكم لأدافع بها عن تاريخى، لكنه اختار أن يوجهها إلى المحكمة مكتوبة عن طريق محاميه واختتمها ببيت شعر يقول: بلادى وإن جارت علىّ عزيزة .. وقومى وإن ضنوا علىّ كرام
ونسى مبارك أن شعبه ترك ثلاثين عاما كى يجيب ويفعل لشعبه واختار أن يتكلم للأسف بعد فوات الأوان وانتهاء زمن الكلام.
وإعمالا لقواعد العدل المطلق دعونا نتجرد من مواقفنا ونحلل هذه الكلمات لنعرف إن كنا أخطأنا فى حق هذا الرجل أم أننا مجنى علينا.
هل مصر جارت على مبارك؟ وهل الشعب المصرى ضن عليه؟.
مصر الدولة، قدمت لمبارك علما وتدريبا سواء على مستوى التاريخ الدراسى أو فى البعثات العسكرية الدولية التى التحق بها، ثم عين فى أرفع المناصب العسكرية وما إن شهد له الجميع بالانضباط حتى أخذ ترقيات عسكرية وصلت إلى قائد القوات الجوية فى حرب أكتوبر وكوفئ على مساهمته فى هذه الحرب بأن أصبح نائبا لرئيس الجمهورية، وحصل على أرفع النياشين والأوسمة.
أما الشعب المصرى فقد كان دائما وأبدا ينظر إلى مبارك العسكرى نظرة احترام، ولكن عندما أصبح مبارك رئيسا لم يكن بيد الشعب المصرى شىء ليقدمه له فالشعب كان مفعولا به ومبارك هو الفاعل فما الذى يمكن أن يقدمه المفعول به للفاعل؟
كانت غالبية الشعب تحترمه وتخاف عليه ولنتذكر جميعا عندما حاولوا اغتياله فى أديس أبابا كيف أن الكثيرين تعاطفوا معه بل وأرادوا أن نرد الصاع صاعين لمن فعلوا ذلك به، ثم فى لحظة مرضه وسفره للعلاج للخارج كثير منا كان يدعو له بالشفاء واستقبله الجميع استقبالا فيه كل أنواع التقدير.
لا أجد خطأ واحدا قام به المصريون تجاه مبارك، وفى نفس الوقت لا ينكر عاقل أن سياسة مبارك الداخلية كانت تعتمد على النظام الأمنى وكانت هناك ثوابت لابد أن يتعامل معها الجميع مثل الهانم - وده الاسم الحركى لزوجة الرئيس السابق - وأيضا زكريا عزمى - البوابة الرئيسية للدخول لمبارك - ولا يفوتنا أيضا الأستاذ جمال - والذى كان التقرب منه واحترامه وترؤسه للاجتماعات ووضعه للسياسات والإيمان بعبقريته شرطا إجباريا على كل الوزراء فى العشر سنوات الأخيرة.
صحيح كان هناك هامش من حرية الرأى كانت فى بعض الأحيان تطال مبارك وبيته إلا أن الجميع ترك يكتب ويعبر لكن إذا ما أراد خمسة أشخاص أن يجتمعوا كى يقوموا بعمل للتعبير عن آرائهم فى الشارع المصرى سرعان ما كان جهاز أمن الدولة يتصرف معهم كل حسب موقعه، إما بالتجسس على حياتهم أو بالوقيعة بينهم وبين أقرانهم أو بالبحث عن أخطائهم وحث رجال الحزب الحاكم فى الإعلام على التشهير بهم أو فى النهاية اعتقالهم ومصادرة أموالهم.
والصورة التى كانت تذاع للمواطن العادى، أنه عليك أن تنظر للصحف اليومية وحرية الرأى ومصر بلد تحترم القانون ونحن لا نمس سيادة القضاء إلى جانب الانتخابات والاستفتاءات التى كانت تخرج علينا الصحف التابعة للنظام كى تصفها بأنها نزيهة وأن مبارك هو الحاكم الأول الذى انتخبه شعبه.
لكن وبعد كل هذا وبعد تفكير عميق اكتشفت ما هو الخطأ الذى ارتكبه الشعب المصرى أولا فى حق نفسه ثانيا فى حق مبارك، الخطأ هو السكوت والرضا بالأمر الواقع، والانصياع وراء أصحاب النفوذ والجرى وراءهم مقابل المصالح الشخصية، واعتبار أن المشى بجوار الحائط هو مفتاح الأمان كى تطمئن على مستقبل أولادك كما كانت شعاراتهم، وكان الجميع يتباهى أنه يعرف فلان بيه القريب من السلطة أو أنه يستطيع الحديث تلفونيا لكى يحصل على ميزة أو استثناء دون غيره، وتكونت مراكز قوى فى المجتمع المصرى فى كل المجالات وأصبحنا طبقات، طبقة حاكمة وحاشيتها وطبقة متملقة لهؤلاء، وأخيرا المواطن البسيط المفعول به من كل هؤلاء، واقتنعنا وكنا نقنع مبارك أنه حامى البلاد وصاحب سياسة الاستقرار وراعى السلام وتلك هى الجريمة التى ارتكبناها فى حقه لأننا سايرناه فيما ليس هو حق، والاستقرار والسلام بدون كرامة وعدل لا قيمة لهما.
عليكم جميعا وأنا معكم أن نعتذر لبلادنا فقد كنا سببا مشاركا فى ما تم على أرضها من جرائم وساعدنا مرتكبيها على الاستمرار فيها لسنوات طويلة ولم نتحرك واهتممنا بأن ننظف بيوتنا فقط دون أن ننظر إلى ما هو خارج بيوتنا إلى أن جاء يوم ولم نستطع الخروج إلى عملنا من كثرة ما تراكم أمام بيوتنا من موبقات كنا نراها ولا نلتفت.
أشهد الله أننى راضى الضمير تماما وأنا أقف لأحاكم مبارك، أولا لأننا فعلا ظلمنا ثانيا لأننا وفرنا له كل سبل العدالة التى لم توفرها الأمم المتقدمة لمواطنيها فى محاكمتهم حتى فى وقتنا الحالى.
لكن المحاكمة القادمة ستكون لى ولك أنت إذا ما تخاذلنا مرة أخرى وتركنا بلادنا تصل إلى هذا الحد مرة أخرى، علينا جميعا أن نراقب أنفسنا حتى لا نقع فى هذه الجريمة مستقبلا وساعتها لن نسامح أنفسنا ولن يسامحونا من قتلوا واستشهدوا من أجل أن يقولوا لنا أفيقوا لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. وستبقى بلادنا علينا عزيزة، وأهلها وإن غابوا عنها سيتذكرونها لأنهم الكرام.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة