ذات صباح جاءتنى دعوة لحضور ندوة عنوانها "محفوظ فى إيطاليا"، بالمركز الإيطالى، وما دفعنى للذهاب هو علاقة محفوظ بإيطاليا!! وهناك سمعت المحاضر يتحدث عن زيارته لجنوب إيطاليا ليشهد مهرجاناً ثقافياً عن محفوظ يشترك فيه تلاميذ المدارس.. وما يعجب له المرء فى هذا، هو أنه لم يقم السيد (مدير المنطقة التعليمية) هناك بعرض أفلام محفوظ على التلاميذ، مكتفياً بالتلقين، كما جرت العادة، ولكنه دعاهم لورشة عمل إبداعية تدفع وعيهم لإعادة إنتاج ما يشاهدونه ويقرأونه من إبداع محفوظ.. بمختلف وسائل التعبير من تصميم ملابس لشخصيات محفوظ، إلى إعداد موسيقى تستوحى أجواء رواياته، أو ورش أدائية تعيد تصوير أحداث مستلهمة من أعماله!!
ومن حكاية إيطاليا لألمانيا، التى توصف بالدقة والانضباط البشرى الآلى، واختفاء المشاعر والتسيّب أثناء العمل.. فلا تزويغ ولا دروس خصوصية.. وأهم من هذا وذاك هو فهم الطريقة الصحيحة لغرس بذرة الفهم فى عقول النشء ووجدانهم.. حيث يكرس الخبراء دراساتهم وأوقاتهم للطفل.. وكلما ازداد المدرس رقيّاً وتطوراً انتقل للتدريس للمرحلة العمرية الأصغر، أما نحن فحدّث ولا حرج عن أعراض الحَوَلْ فى اتخاذ القرار.. يترقى بلدينا من كُتّاب الطريقة ليصبح مدرّساً عادياً ثم مدرساً غير عادى ثم بشارطة ثم موجّها فخبيراً متخصصاًَ فى (الدقائق الثلاثة الأخيرة قبل انتهاء مرحلة الثانوية العامة).. ماذا سيفيد منه التلاميذ؟!.. لتتلقفهم مكاتب التنسيق فكليات القمة أو القاعدة أو حتى الخردة.. وتجدهم يتعثرون فى أقدامهم لمجرد سماع خبر أو رؤية إعلان عن ندوة أو لقاء فكرى فى أى تخصص.. وإنما الثقافة الاستهلاكية التى بلغ المد بها إلى الدرجة التى تجعل الفرد منهم على استعداد لخسارة حياته مقابل الوصول للملخص (الكبسولة) التى تساعده فى الحصول على الشهادة بأقصر الطرق.
وقطعاً هم لا ينوون نيل الشهادة بالموت فى ميدان التحرير!! ولكن الشهادة التى يبغونها تفضى لقرشين من وظيفة.. مجرد قرشين.. وهم معذورون قطعاً فأنّى لعقول تربّت فى غرفة التلقين الإلكترونى أن تعرف معنى التفكير.. لقاء فكرى يعنى لهم مصطبة للعجائز يمضون فيها أوقاتاً للتسلية.. بينما ينتهز هؤلاء (اللامفكرين الجدد) الفرصة للاستمتاع بالتكنولوجيا أو الجلوس مع الفتيات.. ومازال الحق معهم!!
ثم حكاية اليابان عن السمو الأخلاقى والرقى فى العلاقات الإنسانية التى لم تأتِ دون شك من الهتافات فى الميادين بقدر ما جاءت من احتلال مراكز النهضة والتوعية فى مجتمعهم!! تلك الحكاية التى شرحت معنى تحدى العالم بالنهوض وتحدى الإعاقة بعد الدمار النووى ببرنامج تعليمى رهيب، قوامه المدرّس الذى وصل عندهم لتعديل القوانين، بحيث يصبح هو المرتبة الأعلى مكانة فى الإمبراطورية.. ولكن أين هى مكانة المعلم والتعليم فى إمبراطوريتنا المعظّمة؟!!.
ما أروع ما يشهده المرء أو يسمع عنه من حكايات التعليم حول العالم، ولكن كانت لى أنا حكاية أخرى مع ما عرف باختبارات الكادر التى استضافتها الجامعات.. وحيثما تنظر عيناك لا تجد ما ينال رضاك.. كوارث بالجملة.. وهنا تلتمس لمصر الأعذار على كل ما يحدث فيها، لأن الحديث عن فئة وظيفية من شعب مصر لا ينفصل عن سياسة الدولة بكاملها.. وكما أشرت سابقاً لمكانة العلم فى حكومة تنال الوزارة بلا شهادة.. هو بالقطع سبب فى تدنى مستوى الوعى عند نسبة غير هينة من المدرسين.. الذين جاءوا للاختبار بلا أدنى مظهر حضارى.. ولا مضمون فكرى بدءاً بفقدان القدرة على تحديد المكان الذى يقع فيه رقم جلوس أى منهم إلى الجهل بكيفية تعبئة البيانات الأساسية على استمارة الإجابة.. وانتهاء بما لا يمكن حدوثه من التلاميذ أنفسهم.
فكلما دخلت لجنة تجد أحدهم يتحدث فى الموبايل طالباً الاستعانة بصديق وقت الضيق.. فإذا اعترضت مكالمته بأى طريقة كانت.. تكون مجرماً فى نظر المحيطين به من البطانة التى تعاجلك على الفور (بكونشيرتو أوبرالى زاعق) مطلعة.. إيه يا أستاذ.. ده حضرة الناظر.. حد يقدر يناظر حضرة الناظر!!.. فإذا سألته وما شأنك أنت فيأتيك الرد.. أنا الوكيل.. حسبى الله ونعم الوكيل!!.. هكذا ستتقدم مصر بسواعد الأساتذة النواظر ووكلاء أعمالهم الظرفاء.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
د. أبو الحسن سلام
دي بسيطة