د. مصطفى النجار

قتل على الهواء

الأحد، 05 فبراير 2012 09:36 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حتى هذه اللحظات لم أستطع أن أستوعب ما حدث فى استاد بورسعيد من عملية قتل جماعى تمت فى عشرين دقيقة أمام وعلى مرأى ملايين البشر الذين شاهدوا أول عملية قتل جماعى تنقل على الهواء مباشرة.
لا يمكن بأى حال من الأحوال فصل هذه الواقعة عن وقائع السطو المسلح وجرائم الاختطاف مقابل فدية والتى تزامنت مع هذه المأساة، فجأة شعر المصريون بأن هناك فراغا أمنيا هائلا قد حدث بعد أن كانت الحالة الأمنية قد بدأت طريقها للتحسن نسبيا.
هناك من يرى أن هناك صراعا داخل المؤسسة الأمنية بين بقايا رجال حبيب العادلى والوزير الجديد الذى يعملون على إزاحته، وهناك من يرى أن أباطرة طرة قرروا الانتقام، لذلك فإن أصابعهم لن تغيب عن هذا المشهد وهم جزء أساسى فى إخراجه.
وهناك من يرى أن البعد السياسى لا يمكن إغفاله أبدا عن المشهد، فكلما اقتربنا من إنهاء الفترة الانتقالية وتسليم الحكم للمدنيين كلما حدثت كوارث بهذا الحجم لتهدد أمن الناس وتصنع حالة لا إرادية من المقايضة بين الأمن أو الديمقراطية.
وبعيدا عن وجهات النظر والتحليلات المختلفة فإن هناك حقيقة لا يمكن إغفالها بأى حال من الأحوال حول منظومة الأمن وهيكلة المؤسسة الأمنية التى لم تتم حتى الآن رغم مرور عام على اندلاع الثورة.
ظلت الداخلية طوال العقود الماضية هى الذراع الأساسية للنظام فى فرض القمع والاستبداد على الشعب المصرى، وكان القمع الأمنى وانتهاك حقوق الإنسان هو أحد أهم أسباب قيام الثورة.
لم تكن الداخلية مجرد جهاز أمنى يحمى النظام بل تحولت إلى شبكات مصالح ونفوذ وفساد يحتمى بالنظام مقابل حمايته للنظام ومساعدته على الاستمرار بكل الوسائل الممكنة.
فى كل الثورات وتجارب التغيير يتم عمل إصلاح هيكلى للمؤسسات الأمنية التى كانت شريكة للأنظمة القمعية، ويبدأ بناؤها من جديد على أسس مبادئ حقوق الإنسان وحتى الآن لم تشهد الداخلية أى محاولات حقيقية لإعادة الهيكلة باستثناء بعض الرتوش التجميلية السطحية التى لم تمتد إلى المضمون.
بلا شك هناك مقاومة داخلية عنيفة لفكرة إعادة الهيكلة وتطوير المؤسسة الأمنية، وهناك عقول ترى أن ما حدث هو مجرد أزمة لجهاز الشرطة وسيخرج منها وتعود الأمور لطبيعتها بنفس السوء والقبح الذى عايشناه قبل ذلك.
من الأخطاء الكبرى للثورة أنها لم تجعل إعادة هيكلة الجهاز الأمنى على رأس أولوياتها منذ البداية، وها هى تدفع ثمن تداخل المسألة الأمنية فى كل شىء سياسيا كان أو اقتصاديا أو اجتماعيا.
هناك عشرات التصورات الجيدة التى قدمها متخصصون ومخلصون لبناء جهاز أمنى جديد فى مصر ولكنها حبيسة الأدراج لم تعرف طريقها إلى النور.
وأرى أن من واجب البرلمان الآن تبنى هذا الملف، نظرا لخطورته البالغة وتأثيره على جميع مسارات الحياة فى مصر، إن الإصرار على إصلاح الجهاز الأمنى هو إصرار على نجاح الثورة وترجمة أهدافها إلى واقع ملموس.
لن تكون معركة التطهير سهلة ولن تكون هذه العملية سريعة، ولكنها لابد أن تبدأ على الفور وحل المشكلة لن يكون بمجرد تغيير وزير واستبداله بوزير آخر، بل الأمر أعقد من ذلك بكثير.
على البرلمان أن يبدأ هذه المعركة بكل ما فيها من صعوبات ومشاق، وثمن سندفعه بلا شك حين تبدأ عمليات التطهير الحقيقى وإعادة الهيكلة وبناء منظومة أمنية جديدة لن تقوم أبدا مع وجود كوادر وشبكات كانت جزءا أساسيا من النظام السابق ومازالت تدين له بالولاء وتتمنى عودته.
أخطر ما يمكن ضرب هذه الثورة به هو الملف الأمنى، لذلك مع إعادة ترتيب أولويات الثورة يجب وضع هذا الملف فى مكان متقدم وسط الأولويات وتبنيه بشكل مستمر حتى نغلق هذه الثغرة ونبدأ مرحلة جديدة لا نجد فيها من يضربوننا فى ظهورنا ولا من يعيدوننا للوراء عبر تكرار نفس الممارسات التى قامت الثورة للقضاء عليها ويجب التأكيد فى النهاية أن هناك شرفاء كثر فى جهاز الشرطة لا علاقة لهم بما نتحدث عنه ولكنهم مغلوبون على أمرهم ينتظرون قبلنا هذا الإصلاح ويتمنونه.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة