حمدى الكنيسى

«لأنه أحد العظماء»

الإثنين، 19 مارس 2012 03:58 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اسمه الذى ولد به «نظير جيد» أو نظير «clever»، كما كان يمسيه المدرسون وزملاؤه فى المدرسة، وربما كان اختيار اسم «نظير»، لأنه عندما يكبر لن يكون له نظير فى شخصيته، والمواقع الكبرى التى شغلها ودانت له، واللافت للنظر أنه فقد أمه لحظة مولده، حيث إنها أصيبت بحمى النفاس، ورحلت فجأة دون أن ترضعه، وما لم يعرفه الكثيرون أن «أول سيدة أرضعته هى إحدى الجارات المسلمات»، وقد تخلى عن اسمه مرتين، وفى كل مرة كان يبدأ مرحلة جديدة فى حياته وعطائه، وفى كل المراحل كان ينطلق من قاعدة ثقافية عريضة، بناها من شغفه ونهمه للقراءة، وقدرته غير العادية فى التحصيل والحفظ، ونظم الشعر، وممارسة الصحافة، هذا ولم يكن اسم «شنودة» هو ثانى اسم يحل محل اسم «نظير» حيث كان قد سبقه إلى ذلك اسم «أنطونيوس» الذى تغير هو الآخر ليستقر نهائياً اسم «شنودة»، مقرونا بصفة «الثالث»، مسبوقاً بكلمة «البابا».

تلك سطور اقتطعتها من دراسة عنه، جاءت فى كتابى «السلطة وطول العمر» وقد آثرت أن أبدأ بها حديثى عنه اليوم، لأنها حملت - فيما أتصور - معلومات وحقائق غير معروفة عن أعظم شخصية مسيحية ظهرت فى القرن العشرين، كما وصفه «الأنبا بيشوى»، ولعل صفة «العظمة» التى نالها عن جدارة واستحقاق «البابا شنودة»، تذكرنا بأن مصر الغالية أنجبت للتاريخ عظماء فى مختلف المجالات، أذكر منهم - ليس من قبيل الحصر - طه حسين، والعقاد وأمير الشعراء أحمد شوقى، وأديب نوبل نجيب محفوظ، وفى الطب الدكتور مجدى يعقوب، وفى العلوم الدكتور أحمد زويل، وفاروق الباز، وفى السياسة مصطفى النحاس، وجمال عبدالناصر، وأنور السادات، وفى الفن أم كلثوم وسيد درويش ومحمد عبدالوهاب، وفى المجال الدينى الشيخ متولى الشعراوى، «وقداسة البابا شنودة» الذى أواصل الحديث عنه فأقول:

كان شاعراً وفيلسوفاً وصحفياً، وصاحب دعابة كان يحول بها أحياناً المواقف المحزنة والمؤلمة، لترتسم البسمة على الوجوه، كما كانت دعاباته تحمل فى ثناياها أكثر من معنى ومغزى، مثال ذلك ما قاله مرة للدكتور «أحمد كمال أبوالمجد» عن خشيته من أن تصاب الشخصية المصرية بداء «P.H.D» وتصور الدكتور كمال، أن البابا يقصد الاختصار الدال على شهادة الدكتوراه، إلا أنه قال مداعباً إنها اختصار لجملة «pull him down» أى «إسقطه أو اطرحه أرضاً، كما يحاول البعض أن يهدموا الآخرين!

«مصر ليست وطناً نعيش فيه، ولكنها وطن يعيش فينا»، هكذا بكلمات قليلة عبر البابا شنودة عن معنى الوطن والوطنية، كما حققه هو فى مختلف المواقف التى أطلت خلالها الفتنة الطائفية بوجهها القبيح، فتصدى لها بتصريحاته ومواقفه، مثل حرصه على الدعوة للإفطار فى رمضان بالكاتدرائية، حيث كان يجتمع فيها كل رموز المجتمع، إلى جانب لقاءاته مع شيوخ الأزهر والدعاة الدينيين المسلمين حتى الشباب منهم، مثل «الدكتور عمرو خالد» الذى قال إن مقالات البابا شنودة بعنوان «أخلاقنا»، كان لها تأثير بالغ فى فكره وتوجهاته.
هل ينسى أحد موقفه الوطنى القومى الرائع عندما قالها بوضوح ما بعده وضوح، أنه يرفض أن يدخل الأقباط القدس وهى تحت علم إسرائيل، وسيدخلونها وأيديهم فى أيدى إخوتهم المسلمين، عندما تكون تحت علم فلسطين.

وإذا كان فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، قد عبر عن حزنه لرحيل البابا شنودة بقوله «إنها خسارة فادحة لمصر»، فإن هذه الكلمات تجعلنا نتمنى وندعو الله أن يكون من يخلفه فى موقعه العظيم، امتداداً لفكره ومبادئه ومواقفه.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة