خالد أبو بكر

الانتخابات الحزينة

الإثنين، 28 مايو 2012 03:57 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أيام تاريخية عاشها الشعب المصرى، وقد خاض أول انتخابات رئاسية حرة، وتمكن من اختيار رئيس لبلاده من ضمن عدد من المرشحين، وقبل ما نتكلم عن نزاهة تلك العملية خلونا نشوف إيه اللى بيدور فى الشارع المصرى الآن.

لما قامت الثورة المصرية كان الحزب الوطنى قد بنى عائلات فى مصر جميعها ارتمت فى حضن النظام، وأصبحت لها وضع اجتماعى ومادى كبير، استمر لمدد تزيد على عشرين عاما، وهؤلاء يمثلون ملايين من أبناء الشعب المصرى، وظلت الثورة برموزها فى الكيل لكل هؤلاء وسموهم الفلول وبدأوا فى تنغيص حياتهم وحياة أبنائهم.

وللأمانة هؤلاء - الفلول - أيضا عندما كان الحزب الوطنى فى مجده كان كثيرا منهم يمشى فى الأرض مرحا، ويقولك انت عارف انت بتكلم مين؟ وما فعلته الثورة بهؤلاء هو أقل القليل فى تاريخ الثورات، فقد تحمل المواطن المصرى البسيط الكثير من تمييز هؤلاء عليه طوال أعوام كثيرة، ولم تكن سيادة القانون على الجميع إلا حلم إلى أن أتت الثورة.

هذه العائلات حبست أنفاسها طوال العام والنصف التى مضت على الثورة، وعندما ترشح الفريق أحمد شفيق وجدوا فيه ضالتهم المنشودة، فكانت رغبة واحتياجا كى يلتف هؤلاء حول رمز يلملم جراحهم بعد النكسة التى مرت عليهم فى مجتماعاتهم، ووجدوا فى شفيق ضالتهم، فالتفوا حوله بقواعدهم التى لم تتفتت سياسيا حتى يومنا هذا، وأيضا بما لديهم من أموال، والأهم من ذلك كان لديهم إحساس التهميش الذى أحسوا به، والذى مثل دافعا كى يلتقوا ويجمعوا قواهم مرة أخرى، ومن هنا حصل شفيق على النسبة الأكبر من الأصوات التى حصل عليها، وللأمانة، الباقى من أصوات شفيق - المفاجأة - كانت إما خوفا من جماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامى السياسى، أو رغبة فى الأمان، بعد أن ظهر شفيق كأكثر المرشحين صرامة فى خطابه، أو إعجابا بأدائه عندما كان وزيرا للطيران.

باختصار أيها السادة، أصبح الفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء فى عهد مبارك واحد من اثنين من المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية، والموضوع طبعا لم يمر بردا وسلاما على كثير من التيارات السياسية التى تنفست الصعداء بعد الثورة والتى لم تتردد فى توجيه الكيل لشفيق، عندما فكر فى الترشح واعتبر هؤلاء ترشحه انتكاسة للثورة ومثل فوزه فى الجولة الأولى صدمة كبيرة لهم وصلت إلى حد الخوف من الانتقام.

وعلى الجانب الآخر، وكالعادة مارست جماعة الإخوان المسلمين واحدة من أهم قدراتها وهى الحشد الانتخابى، وللأمانة هؤلاء يعرفون تماما ماذا يفعلون، ولازم نعترف أن الإخوان هم أكبر قوة سياسية تنظيمية فى مصر، وأن تعاملهم مع الانتخابات الرئاسية اختلف عن البرلمانية تماما، وللأمانة أيضا لم يحاولوا التأثير على الناخب من الناحية الاقتصادية بنفس القدر الذى تم فى الانتخابات البرلمانية.

لكن هذه الجماعة لا ترضينى ولا ترضى الكثير من أفراد الشعب خاصة المثقفين، وما زالت تجربة ترشيحهم الشاطر ثم - للبديل - أنا حبيت اختار كلمة البديل لأنها أشيك شوية - لا تزال هذه التجربة تجعل المواطن المصرى يشعر أننا أمام دولة مكتب الإرشاد الذى يخطط للفوز بالمنصب بصفتهم كيانا منظما، بغض النظر عن من هو رئيس الجمهورية، وبغض النظر عن الكفاءة الشخصية له، وبالتالى أصبح الدكتور محمد مرسى أحد أقطاب الإخوان واحدا من اثنين مرشحين لتقلد منصب رئيس الجمهورية.

يادى المصيبة، مصيبة إيه مش هى دى الديمقراطية؟ عارف، وأنا أول واحد سيوجه التحية لأى منهما حال فوزه، وللأمانة هم فازوا بأصوات صحيحة وفى عملية انتخابية قد تكون الأكثر نزاهة فى تاريخ الانتخابات المصرية.

بس أنا بحاول أدرس آثار انحصار هذا المنصب فى شخصين كل منهما له توجه سياسى سابق عن الثورة المصرية وإن كان أحدهما واحدا من الذين كانوا فى النظام الذى قامت ضده الثورة.

الخيار الأول والأكثر حصولا على الأصوات هو محمد مرسى واختياره يعنى أن يصبح منصب الرئيس إخوانيا، إضافة إلى أغلبية برلمانية إخوانية، وبالتالى نصبح أمام دولة قيادتها فى يد الإخوان تماما، وهنا نصبح أمام تجربة جديدة يمكن أن تنجح، ويمكن أن تقع أمامها الكثير من العقبات، أهمها على الإطلاق مبدأ مدنية الدولة وفكرة دخول التفاصيل الدينية فى التشريعات القانونية، إضافة إلى رجوعنا إلى فكرة استحواذ الحزب الواحد على السلطة.

أما الاختيار الثانى وهو الحاصل على المرتبة الثانية فى الأصوات وهو أحمد شفيق، فاختياره من شأنه أن يجعل هناك تيار الرئيس وتيار الإخوان، ويصبح هناك اختلاف دائم فى الحياة السياسية المصرية وتربص كل فريق بالآخر، فضلا عن خوف التيارات التى قامت بالثورة من انتقام الرئيس شفيق حال توليه السلطة لا سيما وأنه كان فى مرمى نيرانهم طوال العام والنصف الماضى.

هنعمل إيه؟ غير أننا هنحترم نتيجة الانتخابات أيا ما كانت!! لازم نفكر هتنتخب مين؟ ولازم نعرف إحنا عاوزين إيه؟ لقد كنا مغيبين لفترة كبيرة عن الشأن العام، بلدنا راحت مننا ورجعت بعد أن دفعنا الثمن غالى، محدش يقولى أنا هقاطع الانتخابات، يعنى هتقاطع الانتخابات وتروح تعيش فى السويد؟ ما هى نتيجة الانتخابات هتأثر علينا وعلى ولادنا سنين جايه.

خلونا نواجه واقعنا بشجاعة ونتذكر أن أهم مكتسبات هذه الثورة أنها وضعت قواعد الحكم للرئيس - أى رئيس - وأن هذه القواعد واجبة الاحترام ومراقبة من الشعب وأصبح شباب هذه الأمة على استعداد للتضحية بالغالى والنفيس كى تظل هذه القواعد راسية إلى الأبد، عيش حرية عدالة اجتماعية، لم يصبح منصب الرئيس مغنما لكل من يتولاه لم تصبح سلطاته مطلقة، لا يستطيع أحد الآن فى مصر الحصول على غنيمة لقربه من الرئيس أو أن تصبح حاشية الرئيس هى المهيمنة على الحكم فى البلاد، تعالوا ننتصر لهذه القواعد ولا نتنازل عنها، وأن نجبر الرئيس القادم أيا ما كان على أن يكون هو أول الملتزمين بها.
فيا أيها المرسى ويا أيها الفريق، لكما منى كامل الاحترام لأنكما اختيار الشعب، ألا أننى لن أسمح لكما بأن تسلبا حريتى مرة أخرى، لن يخفض صوتى مرة أخرى، ومستعدون لدفع الثمن، عاشت مصر حرة وشعبها حرا.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة