ياسادة.. الثورات تقوم وتهدأ.. وما أسهل أن تسقط نظاماً لكن الأصعب أن تبنى غيره
عندما تولى المجلس العسكرى إدارة شؤون البلاد بناء على اتفاق مع مبارك أو تكليف من مبارك - الله أعلم- فى ذلك الوقت كانت هناك حالة رضاء تام من غالبية الشعب المصرى عن أن يتولى قادة الجيش مهمة الإدارة فقط.
وللأمانة لم تكن هناك أى مؤسسة تصلح لتلك المهمة إلا الجيش، وبدأ 18 شخصا يمثلون المجلس العسكرى فى تولى حكم مصر أثناء المرحلة الانتقالية، وأنا لا أعرف كيف يدور الحوار بينهم أو كيف يتخذ القرار فى مجلسهم، لكن للحقيقة كانت لنا تحفظات كثيرة على كثير من السياسات التى اتبعها المجلس العسكرى فى فترة إدارته للمرحلة الانتقالية، وأنا شخصيا مازلت أؤكد أن سياسات المجلس العسكرى وتشريعاته وبطء ردود أفعاله وتحالفه مع بعض التيارات هى أسباب من ضمن ما أدى بنا إلى ما نحن فيه الآن.
لكن على جانب آخر وعلشان نكون موضوعيين، أنا لا أستطيع أن أنكر أن ضباط الجيش طلب منهم فجأة النزول إلى المجتمع المدنى والتعامل مع المواطنين المدنيين على اختلاف طباعهم، وهذه ليست من ضمن مهام ضابط الجيش، كما أن قوات الجيش وبالكاد تحاول ضبط الشارع المصرى مع قوات الشرطة فى مواجهة هذا الكم الهائل من الإجرام الذى تقوم به فئة ضالة من الشعب،. إلى جانب تولى الجيش حل العديد من المشكلات الاقتصادية الحالية، نظرا لما لدى القوات المسلحة من إمكانيات.
طبعا كل إمكانيات الجيش دى أنا وحضراتكم اللى دفعناها، ولا يمكن لأحد أن يقول للمالك إن هناك فضلا عليه عندما يستخدم ما يملك لخدمة مجتمعه.
لكن لازم يبقى فيه شوية موضوعية، إذا كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة المكون من 18 فرد أخطأ فى كثير من السياسات هذا لا يجعلنا إطلاقا نؤكد أن المناداة بسقوطه أيضاً خطأ وخطر كبير! كما أن اتفاق هؤلاء الـ18 فيما بينهم حتى الآن رحمة واختلافهم فيما بينهم - وهو ما لم يحدث والحمد لله- نقمة ما بعدها نقمة.
تخيلوا معى أن هؤلاء الـ18 وجهوا رسالة إلى الشعب المصرى قائلين: لقد رأينا أن نترك المهمة الموكولة إلينا الآن فى إدارة شؤون البلاد، وقررنا النزول على رأى البعض فى الشارع، وقررنا أن يسقط حكم العسكر، وعليكم أنتم حكم أنفسكم، طبعا الكلام ده كان ممكن يعملوه قبل وجود مجلس شعب وشورى، وممكن يعملوه دلوقتى، أى قبل شهرين من انتخاب الرئيس، لكن السؤال لو تم ذلك فعلا إحنا هنعمل إيه؟
هنا سيقول رأى أن يتولى رئيس مجلس الشعب المهمة لحين انتخاب الرئيس! وفى الحالة دى يكون الدكتور الكتاتنى هو الذى ستدار فى عهده أول انتخابات رئاسية بعد الثورة واللى من ضمن مرشحيها أخوه فى الجماعة الدكتور محمد مرسى! طبعا الكلام ده ما ياكلش مع ناس كتير وأولهم العبدلله.
وسيقول رأى آخر يتولى مجلس رئاسى إدارة شؤون البلاد! طيب مين اللى هيختار المجلس الرئاسى وبناء على أى معيار، ناس تقول الأغلبية البرلمانية مثلا؟ وده كلام أكيد مش هايعجب القوى السياسية أصحاب التمثيل البرلمانى الضعيف، طيب رأى تانى يقول حكماء الوطن؟ هنختلف على تعريف معنى الحكمة، هنقول رؤساء الأحزاب؟ أكيد ساعتها هيختلفوا من البداية فين يجتمعوا، طيب هنقول شباب الثورة؟ فى الوقت ده مطلوب مساواة بين من جرح أو فقد بصره أثناء الثورة وبين اللى قعد أمام الفيسبوك وبين اللى طلع فى التليفزيون منهم، وأعتقد أن عددهم كبير وسيصعب عليهم فيما بينهم الاختيار، وأكيد القوى السياسية الإسلامية لن يعجبها هذا الاختيار، يا أخونا ده المجتمع بأكمله فشل فى التوافق على اختيار أعضاء لجنة كتابة الدستور تفتكروا هانتفق على لجنة رئاسية؟ إذًا المنطق يقول إن المناداة بسقوط حكم العسكر فيها نوع من عدم الدراسة المتأنية.
طيب.. إلى أن يأتى رئيس جديد -وده فاضل عليه أقل من شهرين- لازم نتفق على بعض الأمور إللى أفتكر إنها منطقية، واحد مش عاجبه لا طنطاوى ولا زمايله وبيقول عليهم فلول وعايز يتظاهر ضدهم وضد سياساتهم.. حقه، بس معلش أنا آسف إذا كانت ثورة يناير أعطت الحق للمواطن المصرى فى التظاهر فى أكبر ميادين الجمهورية وإغلاقها والاعتصام فيها، فلا يوجد أى مجتمع فى العالم يستطيع أن يبرر تصعيدا ميدانيا أمام وزارة دفاع فى أى بلد!
المنشآت العسكرية فى أى مجتمع يكتب عليها ممنوع الاقتراب أو التصوير، وهذا أمر له وجاهته لأن المواطن العادى ليست لديه حاجة يقضيها داخل تلك المؤسسات، كما أن قانون العسكرية الذى شرع بضوابطه الصارمة جاء لحكمة أهمها على الإطلاق استعداد العسكريين للدفاع عن وطنهم فى الدقيقة القادمة، وبالتالى فالسماح بإعاقة عملهم خطر كبير.
طيب ياسيدى ما ترجع ميدان التحرير وتقول طنطاوى فلول زى ما أنت عايز، إيه الحكمة من الاعتصام أمام وزارة الدفاع؟ وبعدين المرة دى الجيش ماضربش وماحدش شاف أن ضباطه وجهوا سلاحهم تجاه المعتصمين، لكن فى نفس الوقت فيه ناس من ولادنا ماتوا وبرصاص حى! يعنى فيه ناس ممكن يكون من مصلحتها أن المعتصمين يضربوا الجيش فيقوم ضارب نار بشكل عشوائى عشان الشاب من دول يشوف أخوه اللى جنبه مقتول يقوم يخرج عن شعوره هو وأهل المقتول وتقوم حريقة، دى نظرية ليست مستبعدة فى أحداث العباسية، ولا أقبل تطبيقها فى أى أحداث أخرى رأينا مواجهات حية بين القوات النظامية والمواطنين، وعلى إيه كل ده، إحنا أمتى هنشتغل.
سيبك من كل ده...
طيب افرض معايا أن الرئيس الجديد المنتخب خرجت عليه مجموعة من المعارضين وهتفوا يسقط يسقط حكم الرئيس ماذا سنفعل؟ طيب وإذا قالوا إن الاعتصام السلمى حق للجميع وقرروا الاعتصام أمام مقر رئاسة الجمهورية؟ أو عملوا معاه زى ما عملوا مع الجنزورى وقالوا سنمنع الرئيس من دخول مقر الرئاسة؟ فى هذه الحالة أيها السادة لن ننتهى، هناك غياب للمعيار وأصبحت الجرائم ترتكب باسم الحرية، هناك شباب زى الورد بيروحوا مننا كل يوم، يا سادة الثورات تقوم وتهدأ وما أسهل أن تسقط نظام، لكن الأصعب أن تبنى غيره، إن كلمة مجتمع مرتبطة ارتباطا حتميا بكلمة نظام وقانون وإلا انتفت صفة المجتمع وأصبحت دولة الفرد والجماعات والقوة الميدانية، أن تصبح الإرادة الفردية هى التى تحكمنا وليس قواعد القانون هذا مؤشر خطير قد يؤدى الى انهيار المجتمع، أفيقوا يرحمكم الله، «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
د لمياد محمود
تسلم ايدك
عدد الردود 0
بواسطة:
Hisham saleh
المنطق يهبه الله لمن لديه العقول
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد علي
عندك حق يا ابوبكر ومتفق معك يا استاذ هشام
عدد الردود 0
بواسطة:
sayed
لو
لو مافيش حاجة تأكل معاك كل نفسك
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد غريب
كنت بحترمك للأسف
عدد الردود 0
بواسطة:
بحبك يا مصر
عندك حق
عدد الردود 0
بواسطة:
reda
مفقوسة قوي السياسة دي والاسلوب ده يا كاتب يامحترم
ومتفق معاك تماما يا استاذ احمد غريب
عدد الردود 0
بواسطة:
حتى انت يا متلون
بان على حقيقتك ياسهتان
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود مشالى
فليسقط العسكر الكاذبون على مدار ستون عاما
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد الحق
الحمد لله!