لن أعود كما يشتهى العالم.. وكما ترغب النفس، هكذا كان دعائى إلى الله سبحانه وتعالى..
وأنا داخل الكعبة المشرفة تغالبنى الدموع، بعد أن كتب الله لى فرصة المشاركة فى غسل الكعبة المشرفة.. خلال أداء مناسك العمرة.. هذه الساعات السريعة المباركة المضيئة.. أحس أنها نقلتنى من الكآبة إلى الصفاء الذهنى والراحة النفسية وأبعدتنى عن غيوم سوداء كلما حاولنا إزاحتها نراها تعود بقوة حتى لقد صارت كل الأشياء حولنا لا تعطى سوى هذا الجو المقبض السوداوى الذى ما عرفناه أبداً من قبل، فلم يعد للحوار معنى، ولم يعد للنقاش جدوى.. أصبح الاستبداد هو السائد ولم يعد للدفء الوطنى وجود.. فقد فقدنا الأخلاق والقيم والبراءة وكل المفردات التى بها يمكن أن تصل بنا إلى كلمة سواء.. نسيت كل هذا، قبل أن أصعد إلى سلم الكعبة المشرفة، أقشعر جسدى عند تقبيل الحجر الأسود، تخيلت أن العالم كله تبلور أمامى وتحول إلى لا شىء أمام هذه اللحظة التى أعيشها ومعها أعيد تشكيلها من جديد، أعيد رسمها، أعيد تقييمها.. ولا أتخيل كل هذه الأحداث والذنوب وإن كان أملى فى الله كبيرا لأن كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.. هذه الرحلة هى ثانى مرة تتاح لى فيها غسل الكعبة.. ولكنها ليست مثل المرة الأولى.. كانت أول مرة مليئة بالرهبة الشديدة التى جعلتنى..
أتوقف فى مكانى دقائق بلا حراك.. حتى أننى خشيت أن أنظر إلى فوق.. وفى المرة الثانية، كان الإصرار قوياً، بداخل أن أنظر إلى السقف العالى.. وأفاجأ بلونه الأخضر يشع بالضياء السماوى الإلهى.. وأحس أنى أنتقل من خلاله إلى عالم آخر.. عالم الأرواح المصطفاة، أحس أننى فى السماء ولست بأى حال على الأرض، كل الأشياء توحى بذلك.. وكل مظاهر المكان تجعلنى أعيش هذه الدقائق وكأنها عمر كامل من الحب ومن التأمل الروحانى المدهش، الكلام مهما حاولت أن أنسقه لا يمكن أن يعبر عما أراه وعما يدور فى قلبى وفى عقلى وفى وجدانى، ومهما أخرجت ما بداخلى من مشارع نورانية لا تستطيع أن تكون أكثر من علامات متواضعة فى الطريق الذى حلمت به طوال أيام وسنوات عمرى أن أسير فيه، هو الطريق إلى الكمال الروحى، وإلى النمو الكامل لكل مداركنا نحن البشر والتى نحاول بها أن نصل إلى أعلى حالات الصفاء والارتقاء والسمو.. أنظر إلى الأركان الأربعة، كل ركن ينقلنى إلى عالم النقاء والارتفاع عن الماديات والجسديات والأرضيات وإذ بى أرانى فى أرض أخرى وتحت سماوات أخرى، وتحت أقمار وشموس ونجوم لا أعرفها ولا أستطيع أن أرسمها أو حتى مجرد أن أصفها.. أنا بين الأربعة أركان أحس بالأمان والرغبة التى تلمؤنى بالنشوة الروحية.. رغبة فى أن تمتد بى الدقائق القصيرة لأبقى طوال حياتى فى هذا المكان كل ركن أصلى فيه ركعتين وبسرعة أحاول أن أعبر لأتيح للآخرين تكملة أداء مراسمهم.. هذه الركعات تغسلنى وتبدل روحى إلى روح أخرى وتبدل كيانى كله، فلم أعد أحس بما فى داخلى من شدة البكاء والرهبة الروحية، فإذا أعدت النظر إلى فوق أرى روضة من الجنة الخضراء الممتدة الواسعة القوية الشامخة كأنها تسحبنى وتدخلنى بهدوء واشتياق إلى عالم آخر أكثر رحابة واكتمال ونضج وبهاء.. يا الله ما هذا الذى أعيشه هل هذه الدقائق هى كل عمرى؟!.. بل هى تفوق عمرى كله بهذه السنوات وما بها من أزمات ومشاكل وذنوب، فمهما حاولت أن أتوب تعود النفس إلى إمارتها والنفس أمارة بالسوء.. وكلما أسعى لخلاص نفسى من النقط السوداء التى تملأ روحى.. يعود العالم بقوة وكأنه يقولى لى: كما كنت.. عد إلى الماضى، لكنى بعد هذه الرحلة الطاهرة أقسم أمام الله أننى لن أعود إلى الماضى وإلى الضعف البشرى فهذه الرحلة، ليست مثل أى رحلة هى حالة من الزهد يغسلنى ويغسل ذكريات تمر أمامى دائماً، فأنا بطبعى متسامح متصالح لا أحمل لأحد ضغينة.. هذه الرحلة أعطتنى جرعة روحية طاغية، لم أنفق منها ولم أعد إلى الواقع إلا بعد أن وضعت أقدامى على أرض الطائرة، التى تنقلنى من أطهر أرض عاش فيها رسولنا القدوة صلى الله عليه وسلم.. أعود إلى وطنى منتشياً سعيداً.. لكنى أفاجأ بما ينقلنى من الحلم الأخضر الجميل، إلى كابوس لا أعرف له نهاية، وتظاهرات ومليونيات واحتجاجات وأصوات تتقاطع وتحارب بعضها البعض ولا أحد يعرف كيف يمكن تقسيم الحياة وسط هذا الجو الموغل فى القتامة والذى لا يبشر بأى تفاؤل.. لم تعد هذه مصر التى عرفناها.. مصر التى لابد أن نتباهى بها.. والتى كرمها الله، إنه عهد علينا أن نحافظ عليها، لأن ما يحدث ضد العقل والدين وضد الإنسانية فيارب اجعل هذا البلد آمنا.
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود حاتم ابوريا
اميييييين
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
يابختك
عدد الردود 0
بواسطة:
نادر
عالم النقاء
عدد الردود 0
بواسطة:
نور
مبروك
عدد الردود 0
بواسطة:
فريد
اللة على الجمال
بجد اللة
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد
ايه ده معقول تتوب بسرعة كده؟ و يا تري المودام كانت معاك و لا عندها تصوير؟
هاتربي دقنك امتي يا شيخ فودة؟
عدد الردود 0
بواسطة:
بدر
لك اللة يا مصر
يارب تكون دعيت لمصر فى هذا المكان الطاهر
عدد الردود 0
بواسطة:
بدر
لك اللة يا مصر
يارب تكون دعيت لمصر فى هذا المكان الطاهر
عدد الردود 0
بواسطة:
غادي
الى أ. محمد فودة
عدد الردود 0
بواسطة:
صـفـوت صـالـح الـكـاشف / الـقــــــاهـرة
////////////// مصر ؛ بخير دائما دون أن نقسم على ذلك !!//////////////