شاركت ببحث فى المؤتمر الخامس لجمعية تعرف بـ"مجتمع الإعلام.. الدين.. الثقافة" الذى عقد مؤخرا فى مدينة "اسكيشير" بتركيا، وهى جمعية أسسها عدد من أساتذة الجامعات بالولايات المتحدة وأقامت عددا من المؤتمرات فى عدد من بلدان العالم.. تحت شعار الحضارات فى مفترق الطرق، وتحاور الباحثون الذين جاءوا من أربعين دولة من مختلف أنحاء العالم، خلال جلسات المؤتمر، حول الإعلام بكل مفاهيمه وأدواره.
وكان للإعلام الحر، عبر وسائل الاتصال الحرة على الإنترنت من مدونات وفيس بوك وتويتر ويوتيوب وخلافه نصيبا كبيرا من الحديث فى قاعات المؤتمر، خاصة وكيف ساهمت التكنولوجيا الحديثة فى خلق وسائط جديدة وغريبة جداً على الحياة الدينية فى علاقة الإنسان بديانته أياً كانت عبر جهاز" I-phone" .. الذى ظهرت له برامج وتطبيقات مثل I-religion الذى يتواصل فيه المتعبد فى الديانة المسيحية مع جهازه المحمول "بالاعتراف الآلى. "I-"confession " كأنه فى الكنيسة يعترف أمام الكاهن أو رجل الدين المسيحى.. وكذا البرامج الإسلامية التى تقرأ القرآن والأدعية وتجيب عن استفسارات المتعبد حول دينه وعلاقته بربه!! إلى غير ذلك من العلاقات الدينية التى ظهر للتكنولوجيا فيها دور كبير يتجاوز دور الداعية أو الكهنة أو أى من رجال أى ديانة.. كما تطرق الباحثون للبرامج الدينية الأكثر شهرة فى العالم بالنسبة للديانات المسيحية أو الإسلامية وكيفية تفاعل المتعبدين إلكترونياً عبر الانترنت ووسائط الاتصال التكنولوجية المتعددة !!
وكان المؤتمر هذا العام فى مدينة "اسكيشير" بتركيا .. تلك الدولة المحسوبة على العالم الإسلامى اسماً فحسب.. وما أروعه إسلام هنا.. فلا مساجد تملأ الدنيا ولا دعاة يفرضون أنفسهم على بيتك وأهلك وعملك وملابسك وطعامك ونومك.. الأمر الذى يدعوك للتفكير فيما يمكن أن يحدث إذا تم الاستغناء عن كل هؤلاء المتطفلين المرتزقين من بيع سلع إجبارية للراغبين ولغير الراغبين ببرامج الكترونية ؟! وقد يقوم كل من هبَ ولم يدب بتلقيم برنامجه بما يريده من آراء وفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان!!
ومع ذلك الرقى والتحضر والطيبة التى تملأ عيون وقلوب الأتراك فى تلك المدينة العظيمة تتجلى كافة أشكال السمو الأخلاقى الذى هو رسالة كل الأديان فلا تجد فى نفسك حاجة لمن يعظك وإنما السلوك المثالى هو سبيلك الوحيد لأنه لا أحد يعتدى على أحد ولا أحد ينظر لغيره.. ورغم قضائى النهار بأكمله يومياً فى حضور الجلسات والاستماع إلى الباحثين من كل الدنيا وخلاصة ما توصلوا إليه؛ إلا أننى أقضى بقية اليوم فى التجول فى شوارع المدينة المزدحمة بالناس.. ولم ألحظ شخصاً قد اصطدم بآخر أو داس على حذائه.. الإشارات هنا تعمل إلكترونياً ورغم أنها ليست بالجديدة إلا أنه من المستحيل أن تجدها لا تعمل أو لمباتها محترقة أو جميع ألوانها مضاءة كما نشاهد فى أغلب إشارات مرورنا الضوئية الحديثة حتى التى تم تركيبها قبل أيام معدودة !! .. لا يستخدم الكلاكس مطلقاً والسيارات كلها جديدة وأغلبها يعمل بالسولار.. ولا تواجد للشرطة إلا فيما ندر.
وبالقطع من عجائب الدنيا الثمانية - بعد ما يحدث فى مصر - أن تجد مجرد ورقة واحدة ملقاة على الأرض.. وجميع المنازل مطلية بألوان زاهية فيها من التناسق والذوق ما تعجز عنه فرشاة فنانين كبار.. ولا نشاز وتداخل فى تصميمات المبانى ولا ارتفاعاتها أو انبعاجها كما تنبعج أغلب منشآت وطننا الحديثة.. ولا أروع من هطول الأمطار فى صباح يوم ٨ يوليو فى منتصف الصيف.. لأربعة ساعات كاملة.. لتسطع الشمس بعدها ويسطع معها بريق الطبيعة الساحرة سواء فى الحدائق الساحرة داخل حرم جامعة الأناضول - التى تعد من أعرق جامعات العالم - أو حتى الممتدة فى تلال الخضرة التى تحيط بالمدينة من كافة الأرجاء.
إلى هنا يأتى دور الثقافة التى هى الإطار الذى يحتوى كل هذا الخليط من مظاهر الحياة فى هذه المدينة.. حيث لم يحفل الافتتاح بعشرات الكاميرات التى تتخبط فى محاولة لالتقاط صورة أو تصريح على الرغم من تواجد شخصيات بارزة جداً.. بينما تواجدت بعض الكاميرات فى أيام أخرى غير يوم الافتتاح.. حاول الإعلاميون الحصول على خلاصة ما توصلت إليه بحوث هؤلاء الذين سهروا وكلفوا من حياتهم الكثير من أجل مستقبل أكثر تحضراً.. كما لم يشهد المقر الذى يعج بالأساتذة أو بالشخصيات البارزة مجرد فرد أمن واحد ولا مصفحات ولا أجهزة كشف أسلحة ولا حتى كشف الكذب!!
ويغلّف كل هذه الأحداث أصوات طائرات حربية تهدد صفو السماء من آنٍ لآخر.. ورغم ذلك لم يتوقف باحث عن إلقاء بحثه ولا مستمع عن الإنصات له.. وحينما استفسر البعض لاحقاً عن سبب تلك الأصوات.. جاء رد المسئول هناك بأن هناك قاعدة جوية على حدود المدينة ويقوم الطيارون بالتدريب أو الاستطلاع يومياً.. مع عدم تأثر أى مخلوق فى الشارع بذلك حتى ولو بمجرد النظر للسماء لرؤية ما يحدث..
ومن أبرز مظاهر الحياة صوت موسيقى جميل مصدره شىء ما فى الشارع.. وبعد فترة رأيت مصدر الصوت.. وكانت المفاجأة.. إنها سيارة ثلاثة أرباع نقل جديدة تحمل عبوات المياة الصحية المعبأة فى براميل صغيرة.. تصدر تلك الموسيقى من آن لآخر لتنبيه من يرغب فى شراء المياه.. وهنا فحسب تذكرت عربة الفول وعربات الكارو العظيمة بما تحمله من بطاريات سيارات وميكروفونات زاعقة وصارخه تصدح بصوت أصحابها العذب فى أنحاء الوطن لتدعو الناس للشراء .. (كلور .. إبر بوابير جاز.. اسطوانات بوتاجاز.. خضروات وفواكه).. وتذكرت الحمار الذى يجر تلك العربات وما يتركه فى الشوارع من مخلفات سواء بقايا البرسيم أو الروث!! وتذكرت الشعارات فى الشوارع والميادين تصدح.. يسقط يسقط حكم الهوهو أو النونو.. أو حتى.. إرهابية إرهابية.. لا مصرية ولا تركية.
• مدير المركز القومى للمسرح
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
علاء سرور
ياعم احنا فين والعالم دى فين
عدد الردود 0
بواسطة:
د/شادى
متى نرى هذه المشاهد الجميله فى مصرنا الحبيبه
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرية بجد
احييك
عدد الردود 0
بواسطة:
صالح حسين
الى كاتب المقال
عدد الردود 0
بواسطة:
على علاء
سعدت ولكن حزنت !!
عدد الردود 0
بواسطة:
اشرف
اضافات صغيره