فى ناس لم يكن فى مخيلها إطلاقا أن يأتى يوم يصبح فيه الدكتور محمد مرسى رئيساً للجمهورية، وأثناء ترشحه كانوا يتندرون عليه تارة من حيث الشكل أو من حيث إنه أتى بديلا لخيرت الشاطر أو من حيث إنه إخوانى وبالتالى فهو غير مرغوب فيه مقدما.
ثم أتى محمد مرسى بانتخابات حرة رئيساً للدولة، وبدأ فى العمل، ومازال لا يعجب الكثير ومازال لا يتمنى الكثير وجوده رئيساً، لكن الأمانة والموضوعية تقتضى منا تقييم الرجل وأعماله بشكل موضوعى متجرد من الاتجاهات السياسية.
تقدر تقول إن مازال الخطاب الإعلامى للرئيس يميل إلى لغة خطاب الإمام فى المسجد، وهذا أمر أعتقد أنه فى سبيله للزوال، فرئيس الدولة لا يوجه كلمة للشعب من المساجد لأن المساجد لا يستطيع دخولها إخواننا المسيحيون المصريون، وبالتالى لن يستمعوا إلى رئيسهم، كما أن صياغة الخطابات تحتاج إلى البعد عن الشعارات والحديث فى تفاصيل حياة المواطن المصرى.
ويمكن تقول إن السماح لبعض قيادات الحرية والعدالة بالإدلاء بتصريحات صحفية أحيانا يضر بالرئيس، وتقدر ترصد أن تأخر اختيار الحكومة أخر من تنفيذ برنامج الـ 100 يوم الذى وعد به الرئيس. كل ده جائز ويمكن رصده لكن الأمانة أيضاً تقتضى منا أن نذكر للرجل أشياء تحسب له منها على سبيل المثال:
وصول قوات الجيش المصرى إلى سيناء وانتشار هذه القوات لأول مرة بهذا الحجم والعدد وبتلك السرعة يعد رد فعل عملى قوى على اعتداءات رفح، وضرب الأنفاق أيضاً بهذه الصورة هو قرار قوى وتم بشكل سريع، وتزامن مع تغيير لرئيس المخابرات العامة وتعيين وزير جديد للدفاع، كل ده لازم تنظر له بتقدير.
لما محكمة جنايات تقرر حبس صحفى على ذمة قضية، لا أدرى كيف يتهم رئيس الجمهورية أنه وراء ذلك؟ ده حتى اتهامه بهذا الشكل إهانة للمحكمة التى اتخذت القرار، لأن ده معناه أن الرئيس يستطيع أن يتدخل فى عمل المحكمة، وهذا لم يحدث ولم يكن مرسى صاحب الشكوى ولا يستطيع التنازل عنها وليس هو من أحال الصحفى إلى الجنايات.
لكن ماذا فعل الرئيس وبسرعة، وأكرر وبسرعة، بعد صدور قرار المحكمة اجتمع بوزير العدل أحمد مكى، وطلب منه صياغة قرار بقانون يلغى الحبس الاحتياطى فى قضايا النشر بشكل عام، وللأمانة الحبس الاحتياطى فى قضايا النشر كان ملغيا فيما عدا قيام الصحفى بارتكاب جريمة تنطبق عليها المادة ١٧٩ من قانون العقوبات، والتى تخص إهانة رئيس الدولة، كان الوضع فى هذه الحالة أنه يجوز الحبس الاحتياطى للصحفى حال اتهامه بإهانة رئيس الدولة، فأتى قرار مرسى وألغى الحبس الاحتياطى للصحفى فى جرائم النشر أياما كانت الجريمة التى اتهم أنه ارتكبها، وللأمانة أيضاً فإن هذه بادرة طيبة وسرعة اتخاذها تدل على حسن نية من قبل متخذ القرار، ولم يبق الصحفى يوما واحدا فى محبسه، وان كان وللأمانة أيضاً، ما كتبه هذا الصحفى حقيقة يخرج عن إطار الصحافة الجادة، وده أقل وصف.
سبق ذلك أن قام وزير العدل بإلغاء تبعية التفتيش القضائى لوزارة العدل وجعله تابعا لمجلس القضاء الأعلى وهو مطلب القانونيين عموما منذ سنوات، فعلها أحمد مكى فى أيام.
وأذكر أن المستشار محمود أبوالليل، رحمة الله عليه، قال إن جمال مبارك طلب منه وقتما كان وزيرا للعدل أن يبقى على التفتيش القضائى تابعا للوزارة، وكان هما كبيرا استطاع أن ينهيه أحمد مكى فى أيامه الأولى فى الوزارة.
يمكن يكون البعض معترض على الاقتراض من صندوق النقد وممكن يكون الدكتور مرسى نفسه رفض القروض بشكل عام فى وقت سابق، لكن السياسة ليست بها ثوابت، وهذا هو حال السياسيين فى كل العالم، يقولون كلمات ويعملون ضدها ويرفعون مبادئ فى أوقات ولكن الضرورة تؤدى بهم إلى سياسات عكس تلك المبادئ، نقترض من صندوق النقد أم لا من الناحية الدينية هذا أمر يعود إلى علماء الدين، أما من الناحية الاقتصادية فمن الواضح أنها ضرورة نظرا لما نحن فيه الآن اقتصاديا، أما أن يهاجم الإخوان فكرة القرض أيام الجنزورى والآن يذهبون إليه!! فلا تتعجب تلك هى السياسة ورؤيتك وأنت متخذ القرار تختلف عن رؤيتك وأنت خارج دائرة اتخاذ القرار.
من كل اللى فات تقدر تقول إن الرئيس يصيب ويخطئ، قراراته تعجب البعض ولا تعجب البعض الآخر، وهذا طبيعى جداً، لكن لا يمكن أن تكون كل قرارات الرئيس خاطئة، وفقا لما يراه بعض المعارضين الذين مازالوا لم يتخلصوا من الخصومة السياسية لجماعة الإخوان، وأيضا ليس من المنطقى أن تكون كل قرارات الرئيس صائبة وفقا لما تنتهجه جماعة الإخوان، التى تنزل إلى الميادين بعد كل قرار للرئيس.
إذا لا يجب علينا أن نحب الرئيس أو نكرهه لمجرد انتمائه أو لشكله أو لطبيعة عمله السابقة أو لتصرفاته قبل المنصب، علينا أن نقيّم عمله فى موقعه الجديد، ولا ننسى أبدا أنه اختيار الشعب، والدفاع عن وجوده ليس دفاعا عن شخص أو تيار أو جماعة، وإنما دفاع عن إرادة الشعب التى هى الأعلى فى أى دولة، وليس دور جماعة الرئيس أن تدافع عن وجوده وشرعيته، وإنما هو دور الشعب الذى قال كلمته.
أنا لم أنتخب محمد مرسى أو منافسه، لكنى الآن أتمنى له النجاح طوال فترة رئاسته، وسأساعده على ذلك، وأدافع عن كونه اختيار الأغلبية، لكن فى نفس الوقت سأنتقده بكل شدة هو ونائبه ووزراءه ومرشد الإخوان وخيرت الشاطر وأى حد مهما كان وضعه فى مصر مادام أراد أن يتدخل فى الشأن العام، وأنتقد بكل حرية وبلا أدنى خوف لا من الرئيس ولا من أى من كان فى مصر، لكنى سأنتقد بأدب، الأدب الذى تربينا عليه وتعلمناه من ديننا ومن عاداتنا وتقاليدنا، الأدب الذى أعتقد أن البعض افتقده تلك الأيام.
محمد مرسى لم يأت إلينا من الدنمارك وإنما هو واحد من الشعب المصرى اختاره الشعب المصرى بإرادة حرة، وولاه منصب رئيس الدولة، وهو الآن محل اختبار، لكن أتمنى أن نكون موضوعيين فى التقييم دون التأثر بالاتجاهات السياسية، وإن نجح الرئيس أعدنا انتخابه وإن فشل فلن ننتخبه، وإن خالف القانون سنحاكمه، وإن خالف القانون لصالح المرشد سنحاكمه بالقانون هو والمرشد، بس للأمانة لحد دلوقتى ده ما حصلش، ولو حد شاف إن حاجة من دى حصلت ساعتها بقى ننزل كلنا ضد رئيس الدولة الذى خالف القانون، لكن ما أقدرش أنزل أتظاهر ضد رئيس دولة منتخب، قراراته جيدة، ولم يخالف القانون.
الرئيس تحت الاختبار وعليه أن يجتهد، والمواطن صاحب التقييم عليه أن يكون موضوعيا، والعبرة بالنتائج، وإحنا فى انتظار النهضة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد عبدالعظيم شريف
كلام محترم
عدد الردود 0
بواسطة:
أخيرا واحد قال كلمة حق
أخيرا واحد قال كلمة حق
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفي
انت انسان معقد من أي فصيل سياسي
عدد الردود 0
بواسطة:
كريم
الله ينور
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد الشيخ
مقال موفق للغاية ...
عدد الردود 0
بواسطة:
علاء
احترم رايك
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدالحميد
مقال محترم طن شخص محترم
وفق الله الرئيس الى ما فيه خير البلاد والعباد .
عدد الردود 0
بواسطة:
mohii
حلو ده
عدد الردود 0
بواسطة:
ياسر النحاس
المقال لما يكون موضوعى بيصدق على طووول
أحسنت
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى مغترب
احسنت يا سيدى الفاضل.... وجزاك الله خير