دون أى مقدمات أعلنت الحكومة المصرية نيتها للاقتراض من صندوق النقد الدولى بقرض يبلغ 4.2 مليار دولار بفائدة %1.1 سنويا، وكانت حكومة الجنزورى قد تفاوضت مع الصندوق على قرض أقل إلا أن البرلمان رفض الموافقة وكان البرلمان المنحل ذا أغلبية من حزبى الحرية والعدالة والنور، الأسباب المعلنة لرفض القرض كانت أن القرض بفائدة هو ربا وكانت المقولة الشهيرة للشيخ سيد عسكر من حزب الحرية والعدالة «لن نوافق على قرض الربا أبدا!!» وثانيا كان رفضا لمنح حكومة الجنزورى أية فرصة لتعزيز حكومته بإمكانيات مالية تدعم القدرة المالية والاقتصادية لسياساته.
وبصرف النظر عن هذا الموقف الذى تغير من قبل حزب الحرية والعدالة من القرض إلا أنه يعكس حقيقة الوضع المالى للدولة المصرية الذى تعانى موازنته من عجز مزمن تجاوز 130 مليار جنيه مصرى، فضلا عن أزمة فى الاحتياطات من العملة الأجنبية فى ظل تناقص فى الموارد نتيجة تراجع النشاط السياحى فى مصر وتحويلات المصريين فى الخارج التى تأثرت بالوضع السياسى الداخلى وتراجع الاحتياطات إلى أقل من 15 مليار دولار فلم تعد تغطى المدفوعات الخارجية والواردات إلا لثلاثة أشهر على أقصى تقدير.
لذلك هناك ضرورة للبحث عن مصادر لتوفير موارد مالية لمساعدة الاقتصاد المصرى وتحفيزه للعودة إلى النمو وأيضا تخفيض العجز من مصادر لا تضع شروطا تضيف أعباء على المواطن المصرى المطحون، لاسيما أن تجارب مصر وبلدان أخرى مع وصفات الصندوق لم تكن فى صالح الطبقات المتوسطة والفقيرة، بل على العكس تعمل على اتخاذ إجراءات من قبل الدولة تزيد من الضغوط الاقتصادية وزياده الفقر والتهميش.
صندوق النقد الدولى من المؤسسات الدولية التى أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية هو والبنك الدولى لبناء نظام اقتصادى جديد يعزز التنمية الاقتصادية فى ظل النظام الرأسمالى، ويهتم الصندوق فى الأساس بالسياسات الاقتصادية للبلدان الأعضاء، ويركز على سياسات الاقتصاديين الكلية المتعلقة بالموازنة وإدارة النقد والائتمان وسعر الصرف والسياسات الهيكلية التى تؤثر على أداء الاقتصاد الكلى، لكن تظل المهمة الرئيسية للصندوق هى مكافحة كل أشكال الحماية والدعم على السلع والخدمات المقدم للفئات المهمشة والضعيفة من المواطنين الذين تقدر نسبتهم %40 من المصريين، أو دعم الصناعات أو الأنشطة الاقتصادية التى تحتاج إلى تشجيع ودعم حكومى كالزراعة مثلا.
ومن وصفاته المعروفة الخصخصة وهى تخلى الدولة عن ملكية وسائل الإنتاج أو الأصول من فنادق وأراض ومؤسسات عامة وطرحها للقطاع الخاص لتملكها، وهو البرنامج الذى تبنته مصر فى ظل حكومات ما قبل الثورة والتى أهدرت الدولة ثرواتها بأبخس الأسعار تنفيذا لوصفات الصندوق، واستخدمت العائدات لدعم الموازنة، وليس بناء وحدات إنتاجية جديدة أو أصول جديدة أوخلق وظائف فى دولة تعانى من بطالة.
ومن الوصفات التى تبنتها الدولة المصرية أيضاً فى ظل حكومة عاطف عبيد هى تحرير سعر الصرف، مما أدى إلى تخفيض قيمة الجنيه المصرى إلى أكثر من %40 من قيمته وزاد من ضغوط الأزمة الاقتصادية نتيجة ارتفاع الأسعار وواكب هذا أيضاً برنامج المعاش المبكر والذى أخرج لسوق العمل أعدادا كبيرة من العاملين الذين حصلوا على تعويضات المعاش المبكر التى سرعان ما أنفقت وعاد العامل للبحث عن عمل لتغطية نفقاته ونفقات أسرته.
قبل تحرير الأسواق أمام التجارة الدولية و«هو هدف الصندوق» فى الحقيقة نحتاج إلى عدالة الأسواق وتحقيق تنمية مستدامة لا تتعامل فقط مع الأرقام والموازنات بشكل تجريدى وإنما حماية حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية، لذلك يظل دور الدولة هو دعم وتعزيز تمتع المواطنين بحقوق اجتماعية فى الحصول على خبز بسعر يتناسب مع دخله وسلع أساسية تجعله يعيش بكرامة ليس هذا فقط، أيضاً الحق فى الحصول على خدمات أساسية مثل الكهرباء والمياه بأسعار مناسبة للدخول التى تعرفها الحكومة جيدا، إن شروط هذا القرض هى إلغاء الدعم على الرغيف والكهرباء والمياه وتحرير الأسعار بشكل عام لفتح الأسواق أمام الشركات متعددة الجنسيات مما يؤدى إلى مزيد من الإفقار ومصادرة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لقطاعات واسعة من المصريين على الحكومة أن تبحث عن مصادر أخرى للحصول على موارد لحماية حقوق الإنسان.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة