القبح لا يتجزأ.. ومن جبل نفسه على ممارسة القبح، رغم أنها كنفس بشرية فطرت على غير ذلك، ظل غارقًا فيه ينزل من درك إلى درك حتى أسفل سافلين، وكلما غاص فى مستنقع قبحه عزّ عليه أن يبقى للجمال والحسن والبهجة والرونق والنظام وكل ما يحويه قاموس القيم العليا السامية الرفيعة من معانٍ ومسلكيات، أى وجود.
أما ثالثة الأثافى- حلوة الأثافى.. لأنها فى أحد معانيها تعنى اكتمال أركان الشر، فهى أن يتخذ القبيح من العقيدة الدينية راية ورداء.. وسهمًا ودرعًا، وهو يدرك أن قبحه سيرتد حتمًا إلى ما يرفعه ويرتديه ويتسلح به، غير مبالٍ بأن يصيب العقيدة ما يصيبها جراء أفعاله!
ولقد امتلأت جدران المبانى ولافتات الإعلانات وحوائط الأنفاق وقواعد الجسور وخلفيات بعض الحافلات بخطوط بالغة الرداءة ومنحطة المضمون تسب جيش مصر وقائده والشرطة وكل من اختلف مع الإرهابيين الذين يرفعون المصاحف على رماح الصراع السياسى الاجتماعى والثقافى الدائر، ولم يُفلتوا جدران المساجد والكنائس، بل المقاعد المخصصة لرواد الحدائق العامة وحدائق الأطفال.
ألفاظ بذيئة بخطوط رديئة تنم عن أسفل درك وأقوى خطيئة!
عندئذ يذهب العقل مباشرة إلى الربط بين مثلث الأثافى، الذى هو فى الأصل القواعد الثلاث التى يرتكز عليها الوعاء، ولا بد أن تكون ثلاثًا، لأن اثنتين لا تكفيان، وأربعًا تعد زيادة عن المطلوب، ومن ثم فالثالثة اكتمالها، وترمز إلى اكتمال الشر أكثر مما ترمز لشىء آخر، لأن تلك القواعد تبقى فى النار والهباب معظم الوقت!
أول مثلث الأثافى مفردها أثفية هو نشأة جماعة الإخوان عام 1928 على يد من كتب عنه العقاد مقالًا عام 1942 يشير إلى أصله المتصل بيهود الأندلس، واختيار الإسماعيلية مقرًا، ودلالة سنة التأسيس تكمن فى ارتباطها بازدياد هجرة اليهود الصهاينة إلى فلسطين تحت السيطرة البريطانية، فيما الإسماعيلية أحد أهم مرتكزات الاحتلال البريطانى فى مصر، وأيضا شركة قناة السويس.. ولذلك فالجماعة هى البذرة الشيطانية التى بذرها الاحتلال البريطانى ليضمن- مع مرور الزمن- أن تنجح فيما لم ينجح فيه الفرنسيون والبريطانيون من تفتيت للمصريين على أساس دينى «طائفى - مذهبى - ما تحت مذهبى»، لأن البريطانيين، ومن قبلهم الفرنسيون، جربوا تفعيل «فرق تسد» ولم ينجحوا، واكتشفوا أن الأجدى هو أن تتم الفرقة والتمزق بيد تنتمى إلى أهل الدار وتحمل جنسيتهم وتدين بدين غالبيتهم.. وكان أن نجح الإخوان فى ما فشل فيه الاستعمار بشقيه القديم والجديد!
أما الأثفية الثانية فهى اتخاذ الدين الإسلامى ستارًا للمهمة واختيار شعار السيفين المتقاطعين واجتزاء آية قرآنية معه «وأعدوا» دون استكمالها، وهذا له معنى محدد أظن، بل أعتقد، أن الإخوان جميعًا لا يفطنون إليه.. لأن السيفين كما بحثت وأضنانى البحث ووجدت ضالتى فى المصادر والمراجع الأجنبية، وفى مقدمتها موسوعة كامبردج للعصور الوسطى، ثم الموسوعة البريطانية وكلتاهما مازالت بالإنجليزية فإنهما- أى السيفين- يرمزان إلى الجمع بين السلطتين الروحية الدينية والأخرى الزمنية الدنيوية، وهى أبرز سمة من سمات أكثر مراحل التاريخ الأوروبى الوسيط انحطاطًا، عندما تصارع البابا والكنيسة مع الإمبراطور حول أيهما له الولاية على المجتمع، واعتمد البابا «نظرية السيفين»، معتمدا على آية فى إنجيل لوقا تقول على لسان السيد المسيح له المجد «سيفان يكفيان»، وكان أن أصدر البابا بونيفاس الثامن عام 1032 ميلادية بيانًا طويلا عنوانه «يونام سانكتام» أثناء صراعه مع الإمبراطور فيليب الجميل، إمبراطور فرنسا، يؤصل فيه لنظرية السيفين اللذين يمسك بهما البابا، وأن المجتمع الصالح لا بد أن يكون له رأس واحد، هو الكنيسة والبابا، على عكس التنين الشرير الذى دائما ما له رأسان!
أما الآية الكريمة فهى «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم»، ويكاد المفسرون الثقاة أن يُجمعوا على أن القوة المقصودة هى أولًا قوة العلم وتطبيقاته، وقوة المجتمع بتماسكه وتوازنه وانتظام علاقاته الرأسية بين الناس وبين الحكم وعلاقاته الأفقية بين فئات المجتمع باختلاف أطيافها العرقية- إن وجدت- والدينية والمذهبية والاجتماعية والاقتصادية، ثم تأتى بعد ذلك قوة السلاح، أى «رباط الخيل».. أما أن يُختزل الإسلام فى شعار بابوى ينتمى للعصور الوسطى، وفى اجتزاء غير جائز لآية من كتاب الله؛ فهو بالفعل الأثفية الثانية!
ونأتى إلى ثالثة الأثافى، وهى القبح الذى أصبح- وللأسف الشديد- من السمات اللصيقة بهذا التيار فى مفاهيمه ومسلكياته، وهو ما يتصادم مع أوضح وأبسط المفاهيم الإنسانية، وكذلك أفصح وأيسر التعاليم الدينية، خاصة فى الإسلام الحنيف!
لقد أمرنا الرسول المصطفى- صلى الله عليه وآله وسلم- بإماطة الأذى عن الطريق، والأذى هنا مطلق ما يؤذى السمع والبصر والبدن والفؤاد والعقل.. أى ليس قشر الموز والشوك والقمامة وما شاكلها فقط، ولكن الضجيج والأصوات العالية القبيحة، حتى لو كانت نداء للصلاة، لأن الأصل فى المؤذن أن يكون ذا صوت ندىّ «أحفظه بلالا فإنه أندى منك صوتًا».. «ولا تجاهر بصلاتك ولا تخافت بها»! وكذلك تهبيب - من الهباب - الجدران واللافتات على النحو الذى يمارسه الآن ورثة العصور الوسطى المنحطة ويسبون فيه جيش مصر وقيادته والأمة كلها.. وهلم جرا من أشكال وألوان ومضامين القبح، وآخرها الهجوم على الكنائس خاصة فى الأفراح وقتل الأطفال.. وهذا هو حديثنا المقبل.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة