عامان على ثورة 25 يناير، وما زالت الدماء تسيل فى الشوارع وسياسة الدولة العقيمة فى عهد مبارك، كما هى وكأن شىء لم يتغير، فالرشوة والمحسوبية ما زالت الطريق لإنجاز المعاملات، والبلطجة هى الوسيلة الوحيدة للحصول على ما تريد سواء كان حقاً أم باطلاً، والحكومة غارقة فى ثبات عميق لا تملك القدرة على فعل أى شىء، وأصبح رئيس الوزراء وفريقه مجرد سعاة فى مكتب الرئيس يمصمصون شفهاهم حزنا على ما يتعرض له الرئيس، دون التفكير فى حل لإنقاذ البلاد ووضع خطط ومشاريع لتشغيل الشباب وتحسين حياة المواطنين، فقد ابتليت مصر بحكومات رديئة على مدار السنوات الماضية ولكنها ابتليت الآن بحكومة مشلولة اليد والعقل، فلا تملك المؤهلات والكفاءات القادرة على حل أى مشكلة، بل تسببت فى افتعال المشاكل وإصابة الشعب بالضغط، ولا تستحى فى أن تخرج بيانا بإنجازاتها الوهمية مثل تنظيف ترعة أو ترميم مسجد أو كنيسة وكأنها حققت فتحاً عظيماً.
أما الداخلية فقد تغير وزيرها خمس مرات على مدار عامين على أمل أن يأت وزير على هواء الرئيس، وتغيرت أسماء القطاعات من "أمن دولة" إلى "أمن وطنى"، لكن بقيت سياسة ممارسات العنف والانتهاكات ضد المواطنين عقيدة لا تتغير، إلا من رحم ربى، وبالرغم من عمليات التطهير التى تم الإعلان عنها إلا أنها لم تؤت ثمارها وكأن مسحوق التطهير مضروب أو تقليدى، فلا زالت مدرسة العادلى تؤدى دورها فى تلفيق التهم للمواطنين والقبض العشوائى على الأشخاص وسرعة إغلاق القضايا وإرسالها للجهات القضائية فى محاولة لتلميع صورتها أو إرضاء لسيدها الجديد الدكتور محمد مرسى، الذى أصبح جزءا من الحبكة الأمنية من أجل مواجهة المعارضين والصحفيين الذين يقومون بعملهم لكشف الحقائق مثلما حدث مع الزميل محمد صبرى محرر الفيديو باليوم السابع، الذى تم القبض عليه وهو يمارس عمله، بينما تركت الداخلية البلطجية يعيثون فى الأرض فسادا وخراباً وكأنها لا تعرفهم ولا تملك سجلات عنهم.
عامان على الثورة كانت كافية لتحقيق نهضة حقيقية ووضع مصر على طريق التقدم واللحاق بقطار الكبار، ولكن رجال الحكم عندما ضاق بهم الحال وكشفت الأحداث فقرهم الإدارى والإبداعى وعدم قدرتهم على وضع الحلول، فأصبحوا يقولون إن التغيير يحتاج الكثير من الوقت، دون إدراك منهم أنهم لو ظلوا يحكمون مئات السنين، بهذه الصورة وتلك العقول لن نتقدم قيد أنمله، فى الوقت نفسه تناسوا أن الإرادة الحقيقية يمكن أن تحدث تغييرا حقيقيا فى وقت قصير، ويمكن أن ندلل على ذلك من سيرة الحكام الإسلاميين الذين يتمسحون بهم فى أقوالهم ولكنهم لا يسيرون على أفعالهم ومنهم الملك محمود بن ممدود بن خوارزم شاه، الشهير بالمظفر سيف الدين قطز، الذى تولى الحكم لمدة عام واحد، ولكن يذكره التاريخ بإنجازاته العظيمة بالرغم أنه تولى الحكم فى فترة عصيبة وكان الوضع السياسى والاقتصادى متأزم للغاية ولكنه نجح فى تحقيق الاستقرار والانتصارات الكبرى، ووقف زحف التتار(المغول) الذى كاد يقضى على الدولة الإسلامية وهزمهم هزيمة منكرة فى معركة عين جالوت، وهو صاحب الصيحة الشهيرة فى هذه المعركة "وا إسلاماه".
لم يكن سيف الدين قطز الوحيد الذى حقق إنجازا كبيرا فى فترة قصيرة، بل سبقه إلى ذلك ثامن الخلفاء الأمويين الذى لقب بخامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز الذى اشترط على الخليفة الوليد بن عبد الملك ثلاثة شروط لكى يتولى إمارة المدينة المنورة، منها أن يعمل فى الناس بالحق والعدل ولا يظلم أحداً ولا يجور على أحد فى أخذ ما على الناس من حقوق لبيت المال، مما يعنى نقص الأموال التى يدفعها ولى المدينة المنورة للخليفة، بالرغم من ذلك وافق الوليد بن عبد الملك على هذه الشروط.
وفى أول يوم لولاياته على المدينة صلى الظهر ودعا بعشرة من خيرة القوم ممن شهد لهم الجميع بالكفاءة والعدل وقرر ألا يقطع أمراً إلا برأيهم، مثلما يفعل الرئيس محمد مرسى مع مستشاريه، الذين قدموا استقالاتهم لأنهم لا يعرفون بالقرارات إلا من وسائل الإعلام، كذلك كان عمر يختار ولاته "المحافظين" بعد تدقيق شديد، ومعرفة كاملة بأخلاقهم وقدراتهم فلا يلى عنده منصبًا إلا صاحب الكفاءة والعلم والإيمان، ولا يشترط أن يكون من الأهل والعشيرة.
الغريب أن الكثير من أنصار الدكتور مرسى شبهوه بعمر بن عبد العزيز متناسبن أن عمر حول البلاد من الفقر والفتن إلى واحة للخير والعطاء فى أقل من عامين حيث لم تتجاوز فترة حكمه عامين وخمسة أشهر فكان رجاله يطفون فى البلاد يوزعون المال حتى إنهم جاءوه بالزكاة فقال أنفقوها على الفقراء والمساكين فقالوا ما عاد فى أمة الإسلام فقراء ولا مساكين، فقال جهزوا بها الجيوش، قالوا جيش الإسلام يجوب الدنيا، فقال زوجوا الشباب، فقالوا من كان يريد الزواج تزوج، وبقى مال، فقال اقضوا الديون على المدينين، فقضوه وبقى المال، فقال أنظروا فى أهل الكتاب (المسيحيين واليهود) من كان عليه دين فسددوا عنه ففعلوا وبقى المال، فقال أعطوا أهل العلم فأعطوهم وبقى مال، فقال اشتروا به حباً، وانثروه على رءوس الجبال لتأكل الطير من خير المسلمين، بينما ينصح وزير التموين المصريين بترشيد الطعام لمواجهة الأزمات.
إذا لم يتعلم الرئيس والحكومة من هذه الدروس فليتعلموا من العداء الإسبانى الذى رفض أن يكسب السباق على حساب العداء الكينى الذى ظل متصدراً السابق طوال الماراثون وقبل نهاية الماراثون بعدة أمتار توقف العداء الكينى ظنا منه أنه وصل النهاية فرفض المتسابق الإسبانى انتهاز الفرصة والفوز بالسباق ودفع العداء الكينى للوصول للنهاية قبله، إيمانا منه بأن العداء الكينى يستحق الفوز، فهل يعين الرئيس فى المناصب من يستحق أم ينتهز الفرصة لتعزيز هيمنة رجاله سواء كانوا يستحقون أو لا يستحقون ونضيع على الوطن أعواما جديدة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدالعزيز
صح
كلام صحيح 100%