د. رضا عبد السلام

حوار مع صديقى الإثيوبى!!

الأحد، 02 يونيو 2013 03:22 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بما أن الشىء بالشىء يذكر، فأستسمحك عزيزى القارئ بأن أعرض عليك حواراً دار بينى وبين أستاذ إثيوبى فى سبتمبر من عام 2010م، أى قبل قيام ثورات الربيع العربى بأيام قلائل!!

عندما كنت أعمل مستشاراً بوزارة المالية السعودية، تمت دعوتى للمشاركة فى مؤتمر عربى أفريقى فى مدينة طرابلس الليبية، وقد استهدف هذا المؤتمر تعزيز الشراكة بين الدول العربية والأفريقية.

وفى مساء يوم المؤتمر، تمت دعوة المشاركين لعشاء فى إحدى القاعات الفخمة، وتصادف أننى أجلس وجهاً لوجه مع أحد الأساتذة الإثيوبيين!! أقسم بالله أننى رأيت فى عيناه كرهاً شديداً لكل ما هو مصرى!! فالرجل يود أن يحرقنى أو أن يشعل فى شخصى النار، وكدت أرى الشرر يتطاير من عيناه!!

ما كان منى إلا أن استدرجته فى الكلام، وقلت له هل تعلم أننا كمسلمين نطلق على إثيوبيا أرض الحبشة، التى احتوت الرعيل الأول من المسلمين الذين فروا من بطش كفار قريش، ولا يمكن للمسلمين أن ينسوا هذا الموقف المشرف للنجاشى وشعب إثيوبيا.

هنا التفت إلى هذا الرجل وقال لى أرجو أن تتحدث فقط عن المصريين وليس المسلمين...قلت له وما مشكلة المصريين؟... قال أنتم المصريون تريدون أن تعيشوا حتى ولو على جماجم وأرواح الإثيوبيين، فالمهم أن يعيش المصريون ولتذهب إثيوبيا وشعبها للجحيم...قلت له: صديقى العزيز... واضح تماماً أن لديك خلطا شديدا... فارق كبير يا صديقى بين شعب مصر ومن يحكم مصر ... هل تعتقد أن شعب مصر راضٍ أو قابل للنظام الذى يحكمه؟!

شعب مصر يا صديقى شعب ودود وكريم، وكل ما نريده هو أن نعيش كما تعيشون، وأن تستوفوا حاجتكم من المياه وما تبقى اتركوه لنا... فلا تنسونا، لأن مصر وشعبها ارتبطوا بالنيل برباط مقدس، وأن مصر هى هبة النيل كما نكرر فى مصر دائماً ...الخ!

هنا بدأ الرجل فى الإنصات وبدأت وجناته فى التوهج ... قلت له صدقنى يا أخى نحن فى مصر ندرك أصل المشكلة... المشكلة يا عزيزى هى أن النظام الفاشل الذى يحكم مصر أدار ظهره لإفريقيا، وخاصة بعد حادث الاعتداء على موكب حسنى مبارك إياه، وطالما أننا أدرنا ظهرنا لأفريقيا فلا يمكن أن نلومكم أو نلوم أفريقيا بأنا أدارت ظهرها لنا!!

أقسم بالله أننى ذرفت الدموع وأنا أحدثه، قلت له يا صديقى، أن أشرف بأن أدعوك لتزور مصر وتتعرف على شعب مصر، وعندها ستدرك أننا شعب مغلوب على أمره، وأننا لسنا أنانيين، لأننا ندرك حقكم فى الحياة الكريمة. هل تعلم صديقى الإثيوبى أن مصر كانت أكثر الدول ارتباطا بإثيوبيا وخاصة فى عهد أسرة محمد على وجمال عبد الناصر؟ هل تعلم أنه كانت هناك بعثات تعليمية وتبادل أساتذة ورجال أزهر واستقبال طلاب إثيوبيين...الخ... كل هذا اختفى ولا ندرى لما؟! رغم أن النظام (وكنت أقصد طبعا نظام حسنى مبارك) يعرف أهمية العمق الاستراتيجى مع إثيوبيا... أدرك يا صديقى أن نظام حسنى مبارك تعامل معكم بصلف وغرور واستعلاء... ولهذا لم نعجب أن نرى إثيوبيا تدير ظهرها، وتعقد اتفاقات وتقيم مبادلات مع كل الدول بما فيها إسرائيل... ندرك يا صديقى أن من شارك فى زرع إسرائيل فى عمقنا الإفريقى هو نظام مبارك سواءً كان عن قصد أو عن غير قصد.

المهم أننى قمت من على ذاك العشاء أنا وصديقى الإثيوبى ونحن فى قمة السعادة والصفاء، وعانق كل منا الآخر وتبادلنا وسائل الاتصال بل وتبادلنا النكات!!

وبناءً عليه، تابعت ما يدور على الساحة هذه الأيام، وخاصة عقب زيارة الرئيس مرسى لإثيوبيا وعودته، وإعلان إثيوبيا فور عودة مرسى عن تدشين عمليات البناء فى سد الألفية!! حاول البعض إلقاء كامل المسئولية على الرئيس الحالى ... وأنا لا أعفيه من المسئولية، وخاصة بعد عام من رئاسته لمصر، فماذا أنجز على هذا الصعيد؟ لا شىء...!! ولكن أن نحمله كافة ديون التركة فهذا هراء وسفسطة وضحك على الشعب ... فهل أنا مخطئ فهى كلامى هذا؟

لقد خرج علينا من لا يجيدون غير النقد ومنهم من قال "لم تكن إثيوبيا تجرؤ على البدء فى البناء فى عهد مبارك وعمر سليمان!! وكأنهم (الإثيوبيين) استيقظوا من نومهم فجأة منذ يومين وبدءوا فى بناء سد يتكلف المليارات!! إنه برنامج وجدول زمنى بدأ التخطيط له منذ عقود... فى وقت كنا فيه نيام...عفواً لم نكن نيام... كنا مشغولين بالتخطيط لتوريث مصر للمحروس، تماماً كما انشغل الإخوان بالسعى للسيطرة على مفاصل مصر... ولتذهب مصر وشعبها ومستقبلها بل وبقائها للجحيم!!

إلى متى نضع رؤوسنا فى الرمال؟! إلى متى نضحك على أنفسنا ونتطرف فى انتماءاتنا؟! متى نعتدل ونفكر فى مصر وشعبها؟! متى نرى قوة سياسية معتدلة بناءة؟! لقد وقعت الفأس فى الرأس كما يقولون، وها هى إثيوبيا بدأت عمليات البناء، ما الذى يمكننا فعله لضمان عدم تضرر مصر من بناء هذا السد؟! وهل هذا السد هو نهاية المطاف؟ أنا شخصياً كنت فى السودان عام 2008 وقمت بزيارة إلى سد يتم بناؤه على النيل يسمى سد "مِروى"، ومن يرى هذا السد ومنظر النيل هناك سيسلم بأن مصر لن تتلقى أى مياه!!

الحل يا حضرات هو أن نعطى العيش لخبازه، وأن يتوقف الفلاسفة عن الفلسفة وأن يرفع كل منا أنفه عن أمور لا شأن له بها... علاقتنا مع إثيوبيا ومع النيل لا يمكن أن تؤمنها الحرب، ولكن علاقات الاحترام والتقدير المتبادل. لابد وأن نشعر الأخوة فى إثيوبيا بأهمية النيل بالنسبة لمصر واحترام مصر لحقوق إثيوبيا. علينا أن نشرع فى بناء جسور تعاون اقتصادى واستثمارى وزراعى وصناعى، بحيث تتشابك وتتعمق تلك العلاقات لنتحول إلى ما يشبه الكيان الواحد. علينا على أن نتخلى عن نظرة التعالى والتكبر وأن نغير الصورة المقيتة التى رسمها نظام مبارك.. إذا ما نزلنا على الأرض وأوكلنا الأمور لأهلها لن يكون هناك ضرر، وسنزيل أسباب الشقاق وسنبعد المتآمرين... إذا لم تفلح تلك الوسائل المحترمة، عندها يكون لكل حادث حديث، ولكن علينا أن نبدأ اليوم قبل الغد. اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.

* أستاذ بحقوق المنصورة








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة