عفت السادات

أردوغان ومحاولات تهميش مصر

الأحد، 21 يوليو 2013 02:22 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم أندهش كثيرا للموقف التركى المتقلب تجاه مصر، منذ أواخر عهد الرئيس الأسبق مبارك، مرورا بحكم جماعة الإخوان المسلمين فى أعقاب ثورة 25 يناير، وحتى الآن بعدما عزل الشعب محمد مرسى وجماعته عن الحكم فى أعقاب عام واحد من توليهم السلطة..

فتركيا "أردوغان" أثبتت أن سياساتها الخارجية تبنى وتضع قواعدها على فكرة هدم الآخر، والآخر هنا "مصر".. ظنا من حفيد العثمانيين أن باستطاعته تهميش الدور المصرى فى المنطقة.

أدرك أردوغان منذ الوهلة الأولى لتوليه الحكومة فى تركيا أن رغبته فى تحقيق الريادة لأنقرة واسطنبول فى الشرق الأوسط تتصادم مع مكانة مصر ودورها فى محيطها العربى والإقليمى، وعليه فبرزت المحاولات الكثيرة لإضعاف القاهرة اقتصاديا وسياحيا، وقد تجلى هذا الوجه القبيح إبان ثورة يناير.

فالمتابع لحال السياحة المصرية منذ العام 2005، وحتى يناير 2011، يدرك مدى الطفرة التى مرت بها مصر سياحيا، حيث ارتفع عدد السائحين من 8,6 مليون سائح فى ديسمبر 2005 إلى 14,7 مليون سائح فى عام 2010، وارتفعت الإيرادات السياحية من 6,8 مليار إلى 12,5 مليار دولار أمريكى خلال ذات الفترة، على الرغم من الأزمة المالية الطاحنة التى ضربت العالم فى الربع الأخير من عام 2008، وفى يناير 2011 كانت السياحة قد أصبحت القطاع الاقتصادى الأفضل أداءا فى مصر بفضل ما تسهم به من 11.3 ٪ من إجمالى الناتج المحلى، و19.3 ٪ من حصيلة النقد الأجنبى، و39.8 ٪ من إجمالى صادرات الخدمات، و6 ٪ من الدخل الإجمالى لضريبة المبيعات، و 24 ٪ من الدخل الإجمالى لضريبة مبيعات قطاع الخدمات، و 4 ٪ من إجمالى الاستثمارات المنفذة، و13 ٪ من حجم الاستثمارات فى قطاع الخدمات، و12.6 ٪ من القوى العاملة، كما تغير المنتج السياحى المصرى.

وأصبح يخاطب شرائح أوسع من السائحين عبر العالم، فظهرت إلى الوجود أنماط سياحية جديدة من أبرزها سياحة المؤتمرات والمعارض الدولية وسياحة السفارى الصحراوية وسياحة اليخوت والسياحة البحرية والبيئية والعلاجية والرياضية، بالإضافة إلى سياحة المهرجانات والفعاليات الترفيهية والثقافية.

هذه الطفرة السياحية كانت العائق الأول أمام أردوغان وحزبه العدالة والتنمية، للنهوض بالسياحة التركية وتحقيق ريادة تركية فى المنطقة، وعليه كان استغلاله لثورة يناير أسوأ استغلال، مستعينا فى هذا الأمر بإخوان مصر الذين لم يتوانوا فى محاربة السياحة بشكل مباشر وغير مباشر، دون شعور بالذنب أو تأنيب للضمير، فتراجعت السياحة بنهاية 2012 فى ظل تولى الإخوان بشكل فعلى مقاليد الحكم بنسبة 33.2% عن العام 2010، وازدادت سوءا فى الربع الأول من العام الحالى 2013، هذا كله وإن دل فهو يشير إلى سعى اسطنبول لإخراج مصر من المعادلة السياحية فى حوض البحر المتوسط، والتى تتشارك فيها مع أسبانيا وتركيا.

الحرب التركية بقيادة أردوغان لتفريغ الوطن المصرى لم تتوقف عند هذا الحد وكفى، بل امتدت ممارسات وألاعيب رئيس الوزراء التركى كى يحول مصر إلى سوق لتصريف المنتجات التركية، مما يضعف من الصناعة الوطنية المصرية، وبالتالى يضعف الاقتصاد القومى ككل، وفقا للنظرية القائلة بأن الدولة القوية هى التى تزيد صادراتها عن وارداتها، ففى أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير زادت الاستثمارات التركية فى مصر بنسبة 50% لتصل إلى نحو 1.4 مليار دولار، وأغرقت تركيا السوق المصرية بمنجاتها، التى اتسمت بأن أسعارها أقل من مثيلاتها المصرية وهو ما أدى لغلق العديد من المصانع الصغيرة وتقليل إنتاج المصانع المتوسطة التى تضم عشرات الآلاف من العمالة المصرية المهددة بالتشرد بسبب سياسة الإغراق التركية تلك، كما أن عائدات الضرائب التى تستفيد منها خزينة الدولة تقل لانخفاض مبيعات المصانع المتضررة فى مجالات الحديد والصلب والمنسوجات والملابس الجاهزة والصناعات الغذائية.
لم تنته اللعبة عند هذا الحد ، فالركن الثالث لأضلاع المثلث الإخوانى تمثل فى تكوين حلف للتنظيم الدولى للإخوان "محمد مرسى ومكتب الإرشاد فى مصر، وراشد الغنوشى وحركة النهضة الإسلامية فى تونس، وإخوان ليبيا، وأخيرا أردوغان وحزب العدالة والتنمية فى تركيا"، هذا الحلف والذى لم يكن مخططا له الظهور بشكل مباشر وفج فى الوقت الراهن، دفعته الظروف الحالية وعظمة الشعب المصرى الذى أطاح بالمشروع الإخوانى للخروج إلى النور قبل موعده، فرأينا قادة التنظيم من كل حدب وصوب يجتمعون فى اسطنبول ليحيكوا المؤامرات ضد الشعب المصرى الأبى الذى دافع عن كرامته ووطنيته ضد قوم لا يؤمنون إلا بمصالح تنظيمهم، وعليه فكل هذا يفسر الموقف الأردوغانى تجاه الانتفاضة الشعبية السلمية التى حدثت فى مصر يوم 30 يونيو، وأطاحت بالنظام الإخوانى الذى يدين له رئيس وزراء تركيا بكل الحب والتقدير، فما كان منه إلا أن عارض الملايين الذين خرجوا فى الشوارع، ووصف ما حدث بأنه انقلاب عسكرى!

وفى النهاية أود أن أشير إلى أن الحلم الأكبر لأردوغان وأبناء جنسه من الأتراك لازال باقيا ويدور فى أذهانهم ليل نهار، ألا وهو إعادة اكتشاف الدولة العثمانية مرة أخرى، هذه الدولة التى ضمت فى وقتها غصبا وعدوانا مصر إلى جنباتها، دون أن تحقق ما أمر به الإسلام من عدل ومساواة، وكانت العنجهية التركية هى العامل الأبرز فيها، فعاش المصريون عشرات السنين أُجراء فى أرضهم، وفقراء فى وطنهم، ومواطنون من الدرجة الثانية.. أردوغان وحلمه العثمانى المتكبر يأبى أن يعود بدون أن تكون إمارته الأولى هى مصر، وكأن عقارب الساعة تعود إلى الوراء.. هيهات هيهات يا عزيزى العثمانى..








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة