الدم ليس كله حرام!!

"الدم كله حرام".. "الدم المصرى كله حرام".. هكذا نردد كلما وقعت الاشتباكات بين مؤيدٍ ومعارض، المهم أننا نردد، ولا نعمل العقل، أو نتدبر، أو نضع أنفسنا موضع غيرنا، فقط نهرول تجاه الإنسانية ونتمسك بأى شعاراتٍ تظهرنا على صفحات التواصل الاجتماعى، بأننا إنسانيون!!

أى عبثية هذه التى نتقن تمثيلها؟ أى نهاية لبداية جديدة نأمل فى الوصول إليها فتجعلنا نزيد من ضبابية الصورة ما يحجب الرؤية أكثر وأكثر؟ العجيب أن البديهيات دائمًا تُفضى إلى نتائج، هكذا تعلمنا من دروس المنطق، فالفطرة البشرية التى خلقنا عليها، تقول إن لكل فعل رد فعل، وما أطلبه هنا من القارئ فقط هو أن يضع نفسه موضع غيره، ولا يلتفت لمقارعة التبريرات بأخرى، ففى الحقيقة لسنا بحاجة لأن نعيد تصريحات قيادات الإخوان أو مواقفهم وتحريضهم على فض الاعتصامات بالقوة، وإنكار إطلاق النار على المتظاهرين، كل هذا هراء، ومحض التفافٍ حول أنفسنا، سيتسبب فى النهاية بضياع الحق الذى فى أيدينا، ولن يؤدى بنا فى النهاية إلى الخروج من نفق لا نعلم مداه، والسؤال: لو أن "الدم المصرى كله حرام" فلماذا تطالبون بالقصاص من مصرى قتل مصرى؟!، ولماذا نحاكم مصريًا تخابر مع إسرائيل؟".

المأزق الحقيقى الذى نعيشه فى أيامنا هذه، هو أن الصمت جريمة، وكلمة الحق وتوضيح الرأى وإن اختلفنا فيه جريمة أشد، لكن لا سلامة من ألسنة الناس، والأهم بالنسبة لى هو إرضاء ضميرى، وأن أضع نفسى موضع غيرى، واسألوا أنفسكم: لو أن من عذبوا فى اعتصامات رابعة العدوية أو النهضة أو قتلوا فى المظاهرات هم من أشقائكم هل ستتبدل مواقفكم؟ ألن يخرج من بين الأصوات من يدين تخاذل الأمن ويطالبهم بالتحرك؟

دعك من هذا، وتصور أنك فى بيتك وجاء من يعتدى عليك وفى يديه سلاح، هل ستقول بأن "الدم كله حرام" وتتركه يقتلك؟ أعلم ما تفكر فيه وما تريد قوله، وترى أننى اتخذ موقفًا واحدًا ولا أضع نفسى بين الطرفيين، ولذا فلنتصور أن رجال الأمن قاموا باستخدام النساء والأطفال لفض الاعتصامات ومن خلفهم يطلقون الرصاص، فما هو قولك؟ وأنا هنا لا أعطى مبررًا لرجال الأمن أن يطلقوا النيران، ولكن انظر لقذارة الطرف الآخر ستعرف من تواجه، ستعرف أن "الغاية التى تبرر الوسيلة" و"أن الضرورات التى تبيح المحظورات" هى سبب إراقة هذه الدماء بأيدى صديقة، وهى التى رفضت واعتدت على الفريق الحقوقى الذى ذهب إليها وقبلت بوجود أشخاص أجانب بينهم. إذا كان "الدم كله حرام" فلا تبكوا من المزيد.

الغريب فى الأمر، هو أننى لم أر فزاعة "الدم المصرى كله حرام" على مواقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" و"توتير" ولم أسمع صوتا واحدا لمن أوجعوا أدمغتنا ليل نهار بحقوق الإنسان فى التظاهر السلمى يتحدث ويدين ما يحدث للأشقاء المسيحيين فى الصعيد.