وقت الأزمات والشدائد تظهر القدرات على مواجهة التحديات، وتتحرك الغريزة الفطرية للإنسان تجاه وطنه لبذل أقصى ما فى وسعه للحفاظ على البلاد من الاستبداد والطغيان والفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن، ولكن ما تشهده مصر من صراعات وأزمات وتدمير للبلاد وإرهاب للعباد، يؤكد أن معنى الوطن وقيمته منزوعة من نفوس الكثيرين، وأن مصر لا تعنى لدى البعض أكثر من قطعة أرض لاقيمة ولإقامة ولا انتماء ولا أهمية لها سوى أنها وسيلة لتحقيق المصلحة الشخصية، والبعض الآخر يعتبر الوطن هو الإسلام أينما كان بغض النظر عن المكان، متناسين أن خير الأنام سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام عندما خرج من مكة دمعت عيناه وقال "والله إنك لأحب البلاد إلى قلبى ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت".
أما الإخوان فيعتبرون الإخوانى فى إندونسيا أو أى مكان فى العالم أقرب إليهم وأحق بالدعم والمساعدة من جارهم المصرى الذى يسكن معهم فى نفس العقار، وهذا سر حفاظ الإخوان على الإنفاق بين مصر وغزة من أجل دعم حماس حتى لوكان على حساب قوت الفقراء، وذلك استنادا إلى فقه حسن البنا وسيد قطب بأن الوطن ليس أكثر من نقطة تنطلق منها الدعوة نحو تحقيق الخلافة الإسلامية.
للأسف سقط الوطن من عقول وقلوب الكثيرين فتم التضحية به بدلاً من الدفاع عنه والتنازل من أجله، نعلم جميعا أن مشاعر الانتماء للوطن أفلت لدى الكثيرين فى ظل القمع والتضليل والتشويه الذى مارسه نظام مبارك على مدار 30 عاماً، وعندما تولى الإخوان حكم مصر واصلوا نفس المسيرة وقاموا بتطبيق أجندة شوفينية، أفرزت قوافل وفصائل ومفاصل ومجاهل رثة، بثت سمومها، فى الجسد المصرى حتى جعلته قاعاً صفصفاً، واستعادت تاريخاً مشؤوماً فى حياة الأمة الإسلامية من الصراعات المريرة فى أواخر العهد العباسى الذى تحولت فيه الدولة إلى دويلات، والعقيدة إلى عقائد متبانية وطرائق متعددة وأصبح الجميع يتصارعون من أجل مصالح شخصية، وسقط الوطن من قلوب وعيون الجميع وأصبح الكرسى أسمى الأمانى والهدف الأوحد لكل فصيل وغاية كل تيار مثلما يحدث الآن.
كنا نعتقد أن الاخوان وغيرهم من التيارات سيكونوا أبقى على الوطن ولن يضحوا به عندما تشتد الأزمة، ولكن أصبح الوطن أهون الاشياء عند الجماعة وأنصارها، وغيرهم، فبعد أن كنا نظن أنها ستضحى من أجله والحفاظ عليه، وتعلى من قيمة الايثار التى تعتبر من هدى الإسلام وتختار أهون الضررين كما حدث فى قصة النبى سليمان عليه السلام عندما جاءته امرأتان متصارعتين على أمومة طفل،كل واحدة منهن تدعى انه فلذة كبدها، فنظر إليهن، ثم قال سوف أن أحل المشكلة بشطر الطفل إلى نصفين، ولم يكد النبى سليمان يكمل جملته حتى صاحت إحداهن قائلة لا، لا، هذا الطفل ليس ابنى، ففهم سليمان عليه السلام أن هذه المرأة هى أمه، وفضلت بقاءه بيد امرأة غريبة على تمزيقه إلى نصفين.
هذا الموقف يؤكد أن الانتماء الحقيقى وحب الشىء يجعل الإنسان يختار أهون الضررين ويضحى من أجله عندما تشتد الأزمة، فأم الطفل تنازلت عن حقها لكى يبقى طفلها حياً حتى وإن كان بيد امرأة أخرى، أما المرأة الأخرى فكانت تتمنى أن يتم شطره ويموت أو تحصل عليه دون وجه حق، كما يحدث مع الجماعات والأحزاب السياسية والدينية فى مصر الآن، فإما أن تحكم وتسيطر على كل شىء فى البلاد، وإما أن تقضى على الوطن وتحول حياة الناس إلى جحيم وتقصى الآخرين، ثم يدعى كل فريق أنه حصل على تفويض من الشعب ليفعل ما يشاء، دون إدراك منهم أن الشعب برىء من هذا وذاك.
فلو عرفت تلك الجماعات وغيرهم من المتصارعين على الكرسى قيمة الوطن ما وجدنا هذا الدمار والخراب واستدعاء الأجنبى والتهليل والتهويل والاستنجاد بالغرب الكافر لضرب بلاد الإسلام من أجل مصالح حزبية ضيقة وكراسى الرئاسة الزائلة. فعندما يغيب المنطق ولايعرف العقل معنى الوطن ولايدرك قيمته ولايكون له مكان فى النفس والوجدان، ويتفوه مرشد الجماعة السابق مهدى عاكف ويقول قولته المشهورة" طظ فى مصر" يصبح إشعال الحرائق وتخريب البلاد وارهاب الناس شىء طبيعيى ومن هدى الإسلام فى نظر تلك الجماعات، وكأن الإسلام يدعونا إلى عدم الانتماء للأوطان والدفاع عنها والزود من أجلها والتضحية لتحصينها وسلامة مواطنيها فى سلوك عقيم يسىء إلى الدين والدين منه برىء.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو احمد
مقال رائع