«رأيت رجلهم الاحتياطى الذى وضعوه على الكرسى الكبير جالسًا على الأرض، فوق رأسه لفافة بيضاء، وقدماه مغروستان فى التراب، وبصره ذاهب نحو قرص الشمس المجروح بسكين الغروب، كانت عيناه منبلجتين، بينما هناك فى الخلفية قصر قد انفتحت أبوابه أمام سيل عارم من البشر الغاضبين، ورأيت أجولة من دقيق ملقاة على الأرض تدوسها الأقدام، فتنفلق ثم ينفرط أبيضها تحت النعال، وهى تتقدم نحو حفل شواء كبير فى البهو الواسع والردهات، كان الناس جائعين وعيونهم تقدح شرارًا ينفلت من المقل ويزركش السواد بأحمر فاتح، بعض السواعد كانت تنزف دمًا، أما الأيدى فقد امتدت تتخطف اللحم المشوى، وترميه فى أفواه وسيعة، وتتعالى غمغمة المحتشدين فى الصفوف الخلفية انتظارًا لدورهم فى الوليمة».
هذا مقطع فى أحداث رواية «سقوط الصمت» وهى الأحدث للكاتب المتألق دكتور عمار على حسن، المقطع هو لوالدة ممرضة أصيبت فى الثورة بعجز كلى، وحلمت باقتحام مركز الحكم والتخلص من المستبدين وعلى رأسهم مرسى، غير أن هناك سؤالًا ستطرحه على نفسك: من هو الرجل الاحتياطى؟ وسؤال ماذا يعنى الكرسى الكبير؟ وماذا يعنى «جالسًا على الأرض»؟.
أغلب الظن أنك لن تجتهد كثيرًا فى فك شفرة الرمز، لتعرف الإجابة الحقيقية على الأسئلة السابقة، وتلك ميزة فى الرواية وبالتالى لا تجهدك فى رمزيتها، فوقائعها حاضرة بامتياز فى ميادين مصر التى لم تهدأ ثورتها أبدًا منذ شرارتها الأولى يوم 25 يناير عام 2011.
هى نبوءة بنهاية حكم جماعة الإخوان التى صعدت إلى الحكم بعد ثورة 25 يناير، ورغم كل التحليلات السياسية ورصد أخطاء الجماعة فى الحكم إلا أن أحدًا لم يتوقع نهاية حكمها بهذا الشكل السريع، ولأن عمار يكتب هذه الرواية منذ فترة، وقبل أحداث 30 يونيو فإنه وروايته يستحقان جدارة «النبوءة»، وهنا تستطيع أن تفصل بين عمار «الباحث الراصد»، وبين عمار «الروائى المتنبئ».
تقرأ «سقوط الصمت» فى ستمائة وستين صفحة من القطع المتوسط، وتعتمد بناء معماريًا يزاوج بين الخط المستقيم والمتصاعد للسرد، وبين البنية الدائرية بما يخلق تشويقا لافتا، تعززه لغة شاعرية وموسيقى داخلية، ومواقف إنسانية عميقة مؤثرة تأتى من شخصيات متنوعة شاركت فى ثورة يناير، وتضم الثورى الحالم، والانتهازى وشبابا من الشوارع الخلفية، وأبناء الطبقة الوسطى، ويساريين، وليبراليين، وإخوان، وسلفيين، وجنرالات، وفلاحين، وعمالا، وطلابا، وموظفين، وإعلاميين مثقفين، وشيوخ وقضاة وصبية، ونساء إلى جوار الرجال، وهلالا إلى جوار الصليب، وكل هؤلاء يمثلون مصر بتنويعاتها المختلفة.
فى معايشة الأحداث، يلفت نظرك إهداء الرواية الصادرة من الدار المصرية اللبنانية، حيث يقول: «إلى الفتى النحيل الذى كان الجوع يأكله حين مد رأسه أمام صدرى، ليأخذ رصاصتى عنى فنجا سابحًا فى دمه إلى شاطئ الراحة والخلود، وتركنى أموت كل لحظة من فرط الدهشة والوحشة واللهفة، وأنا ألملم بعض أحلامه وآلامه المنثورة فوق رؤوس ملايين المحتشدين بالميدان الفسيح، وأرشقها على الورق محاولا أن أرسم بعض معالم الطريق الذى سلكه بخطى ثابتة، وهو يوزع المسرات بيمناه، ويهش الأوجاع بيسراه»، هذا الإهداء هو مفتاح قراءة هذه الرواية الجميلة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد الشيخ
سقوط الصمت والصعود إلى الهاوية
عدد الردود 0
بواسطة:
صقر قريبش
السلفيين في اللغه هي المتخلفين...انها حقيقنهم التخلف وهم يريدونه وينشدونه
عدد الردود 0
بواسطة:
الببلاوى
ألا يستحق الوضع الكارثى لحكومة الزفتاوى أن تنتقد
عدد الردود 0
بواسطة:
صقر قريبش
الي متي ستظل المنابر المصريه بالمساجد اشعاعا للعنف والقتل والكراهيه؟؟؟؟؟؟؟
عدد الردود 0
بواسطة:
صقر قريبش
جنه المتسألمين لا يدخلها الا القتله...
عدد الردود 0
بواسطة:
صوت من رابعة
أستقيموا يرحمكم الله......السقوط فى البياده
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام الجزيرة
الى رابعة النادرة الحبيبة ..