تحدثت فى مقالى السابق عن مقدمات ثورة 25 يناير عام 2011 التى تحل ذكراها اليوم، وأشرت كيف كان نظام مبارك غارقا فى استبداده وفساده دون خجل، وأهمية التذكير بهذه الحالة تأتى فى أجواء خبيثة تحاكم الثورة، ويزيد البعض بلا خجل فى طلبه بالاعتذار لمبارك.. وأستكمل.
لم تكن ديكتاتورية نظام مبارك هى المسار الوحيد له، فهناك نظم ديكتاتورية لكنها تسعى إلى البناء، وتحارب الفساد، لكن نظام مبارك لم يكن هذا ولا ذاك، ولعل ما حدث فى نظام الخصخصة الذى بيعت فيه المصانع التى بناها المصريون بعرقهم، كانت أكبر شاهد على الفساد الذى ينخر فى جسد مصر، وكان بمثابة الدجاجة التى تبيض ذهبا لقلة، فى مقابل فقر عميق تعيش فيه الأغلبية.
كان كل ذلك يعبئ المصريين للثورة، لكن المفارقة هنا كانت فى أن حالة الصمت الشعبى التى طالت، أغرت نظام مبارك على الاستمرار فى نهجه الاستبدادى، وطرحت السؤال الكبير: «لماذا لا يثور المصريون؟»، وتبارت الإجابات حول ذلك، بدءا من الحديث عن أن الحضارة النهرية لمصر، تجعل شعبها يلتف حول السلطة بوصفها المانحة والمانعة، وتلك سمة من سمات المجتمعات النهرية، وانتهاء بالقول أن الشباب وهم العمود الفقرى لأى مجتمع، أصبحوا عمليين، وأنهم يضيقون بأحاديث التاريخ الذى يشتمل على رفض المصريين لظلم الحكام ومقاومتهم له حتى لو طال هذا الظلم، وأمام هذه الآراء، كانت الأصوات المبشرة بالثورة تبدو وكأنها تغرد خارج السرب، وفى مقابلها كان طرح البعض لصيغ إصلاحية من داخل النظام أو من خارجه، ومن أجل إخفات صوت الثورة، كانت الأضواء تتركز على وجوه يتم وصفها بـ«الإصلاحية»، وفيما كان هذا النهج يتواصل، وسط زفة إعلامية واضحة، كان المصريون لهم خيار آخر هو خيار الثورة.
بدأت بشائر الثورة فى تحركات، لم يفهم رسالتها لا نظام مبارك، ولا دعاة الإصلاح من الداخل، وتمثلت فى الاحتجاجات الفئوية اليومية التى كان يستضيفها رصيف مجلس الوزراء، ورصيف مجلسى الشعب والشورى، وأخذت أشكالا متعددة فى نوعية الاحتجاج، منها من أشعل النار فى نفسه، ومنها من قام بتخييط فمه، ومنها من قرر الاعتصام ونفذ لأنه لم يعد لديه شىء يبكى عليه، ومنها من جاء بأسرته وبات على الرصيف.
كان ذلك بمثابة المعارضة الحقيقية من قاع المجتمع، لم تحمل أجندة سياسية، لكنها تحمل غضبا مشتعلا، وبالرغم من أن طابعها كان «فئويا»، إلا أنه عبر عن أزمة عميقة لحكم يواصل استبداده، ويعبر عن محنة اجتماعية واقتصادية لشعب يستحق حياة كريمة، يزيد من لهيبها مشاهدة الفقراء لأحوال قلة قليلة تتمتع بالثراء الفاحش، بينما هم محرمون حتى من الستر فى الحياة.
كانت هذه المشاهد الاحتجاجية تتراكم، وبلغت فى عددها حدا لم تشهده مصر طوال تاريخها، وبينما كانت تتواصل يوميا، واصل نظام مبارك جموده، وأدار ظهره للعلاج الجذرى لها، فخرج الشباب يوم 25 يناير، لكن أكثر المتفائلين لم يتصوروا أبدا أن هذا الخروج سيكون الفصل الختامى لحكم مبارك الشخص والأسرة، لكنه سيفتح فى نفس الوقت الأبواب لتفاصيل أخرى.. وغدا نستكمل.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الثعلب المكار
النكسجية الينابرجبة
عدد الردود 0
بواسطة:
هيكل
التفويض و التفجير - كتالوج 1954 مازال مستمرا
عدد الردود 0
بواسطة:
يوسف المصرى
حديث الشارع ما عدا مناصرى الاخوان واتباع البرادعى طبعا ولا يوم من ايامك يامبارك
مصر ماذا كانت قبل مبارك وماذا اصبحت بعده
عدد الردود 0
بواسطة:
اسماعيل محمود
من حقه يعتذر . ومن حقنا لا نقبل اعتذاره
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد عرفة
عاش مبارك رمز البطولة والاستقرار
عدد الردود 0
بواسطة:
على ابراهيم على
هوا السبب
عدد الردود 0
بواسطة:
حسن
ثورة 30 يونيو المجيدة
عدد الردود 0
بواسطة:
mahammady
الأقباط غير المصريين هم الذين سيعتذرون
فقط لا غير
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري
الاعتذار لمصر
عدد الردود 0
بواسطة:
حسن البنا الراكع للملوك
رد على تعليق6 الكذب والنفاق هو كتالوج الاخوان