"الأعمار بيد الله" حقيقة لا يختلف عليها أحد، ولكننا ندقق فى الأسباب ولو على سبيل العظة، صدمة فى مدينة شبين الكوم محافظة المنوفية، شاب فى التاسعة عشر من عمره طالب بكلية الهندسة جامعة المنوفبية، ضحية من مئات بل آلاف الضحايا اليومية على يد الإهمال والخطأ الطبى، ففى فجر يوم الخامس من سبتمبر سقط رامح من دور مرتفع على الأرض، بعد أن اختل توازنه على سطح منزل أحد أصدقائه، وانتقل بسيارة الإسعاف إلى المستشفى التعليمى قسم الطوارئ، وفى الحال أجريت له عدة فحوصات وإشاعات وتحاليل من أكثر من تخصص (مخ وأعصاب - باطنة - صدر - أوعية دموية - عظام).
وتبين أنه مصاب بكسور بيده اليسرى وقدمه اليمنى، بالإضافة إلى الفقرة الثالثة والخامسة بالعمود الفقرى، ولا توجد سمة أى شكوك فى أى إصابات أخرى، وفى هذه اللحظة بدأ الحوار بين أهل المريض والدكتور العظام المتخصص فى العمود الفقرى، كلمات مختصرة كالآتى (المستشفى هنا مش مجهز لعملية خطيرة زى دى وأفضل تنقلوا الحالة للمستشفى الخاص اللى بشتغل فيها هناك أنضف وأضمن، ومش هكلفكوا كتير كلها 50 ألف جنيه أتعابى وحساب المستشفى وشوية مستلزمات)، وبما أن أهل المريض متقدرون ماديا ولا يفكرون فى أى شىء فى هذه اللحظة إلا حياة الشاب المريض، كانت الإجابة "اللى تؤمر بيه يا دكتور بس المهم الولد يقوم بالسلامة".
وسرعان ما تم النقل إلى المستشفى الخاص، وكالمعتاد تأخر إجراء العملية لمدة 48 ساعه تحت مزاعم أن التأخير هدفه التجهيز للعمليات (والحسابة بتحسب)، وفى تمام الحادية عشر صباحا من يوم السابع من سبتمبر أبلغوا رامح أنه سينتقل إلى غرفة العمليات لتغيير الفقرات المهشمة فى عموده الفقرى، وكل ما طلبه رامح أن يصلى قبل دخول العمليات، وبعد مرور ساعتين داخل غرفة العمليات تم استدعاء دكتور تخدير من خارج المستشفى، جاء مهرولا، ثم خرج من غرفة العمليات، ليبلغ أهل المريض أنه حدث هبوط فى الدورة الدموية أثناء إجراء الجراحة، وأنهم قرروا نقل المريض إلى العناية المركزة لمدة 24 ساعة، ويستكملون الجراحة فى اليوم التالى، ولكن الحقيقة المرة أن دكتور آخر بنفس المستشفى أبلغهم أن المريض فى غيبوبة نتيجة توقف القلب بسبب جرعة زائدة من المخدر.
وفى هذه اللحظة تلقيت اتصالا هاتفيا من أهل المريض مطالبين باتخاذ إجراء من المسئولين، لأنهم على قناعة أنهم فقدوا نجلهم، وبالفعل تواصلت مع وزير الصحة، وشرحت له أبعاد الأزمة، ولم يتأخر الوزير ولو لحظة، فكان قراره تكليف وكيلة وزارة الصحة بالمنوفية بالتفتيش على المستشفى فى الحال، وكان القرار بالغلق، وتوجه أهل المريض بتحرير محضر رسمى أمام النيابة العامة، متهمين دكتور التخدير بالإهمال، وفى أقل من 48 ساعة توفى رامح، وعادت روحه إلى خالقها، واختفى الدكتور، ولا يعلم عنه أحد شيئا، ويتبين أنه كان سببا فى وفاة شاب آخر كان يجرى عملية شفط دهون من حوالى ثمانية أشهر بمستشفى خاص أخرى بنفس المدينة، ويظل أهل المريض فى انتظار تقرير الطب الشرعى، ويظل أصدقاؤه تنتابهم حالة من الغضب الشديد، وفى النهاية تبقى عدة تساؤلات، إلى متى يعبث الأطباء بأجساد وأرواح المرضى تحت مسمى الخطأ الطبى ولا حياة لمن تنادى؟ ومتى سيتم مراجعة الأطباء واختبار قدراتهم كل فترة حتى ولو كانوا ماهرين؟ وهل سيظل أهل المريض فى انتظار تقرير الطب الشرعى حتى يحيوا سنوية وفاته؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة