البعض حين يسمع كلمات "الوحدة" و"التحالفات" يستدعى بخياله مقتنيات عالم المتاحف السياسية وقد علاها تراب التاريخ داخل واجهات العرض.. يضعها مع الظواهر المنقرضة، رغم أن كل مجريات الأحداث العربية منذ الغزو الأمريكى للعراق عام 2003 أثبتت أن الوحدة وإقامة التحالفات العربية هى الدواء الوحيد الذى قد يُعيد الدماء إلى الجسد العربى المريض.
المنطقة العربية عاشت منذ 2003 مرحلة غليان واضطرابات حتى انفجرت نهاية عام 2010 فى تونس.. ثم توالت الأحداث متسارعة حتى عجز القلم أحيانا عن ملاحقتها بالرصد والمتابعة.. بل تجاوز تأثير هذه الأحداث حتى خصوصية الحدود بين الدول ليمتد إلى المنطقة بأسرها. تلتها المخاطر التى نتجت عن هيمنة التيارات الدينية على المناخ الثورى العربى السائد- رغم أن مطالبات التغيير كانت مدنية الطابع- مما دفع مناطق مثل السعودية ودول الخليج إلى التخلى عن منطق "المهادنة" مع حلفاء تاريخيين أبرزهم أمريكا ودول الاتحاد الأوروبى إلى مواقف أكثر حدة وصلابة، وإلى المضى بخطوات سريعة نحو تشكيل تحالفات عربية جديدة، بعدما استشعروا أن عبثية "الكاوبوى" الأمريكى ستأكل الأخضر واليابس، وأن جحيم الجماعات الإرهابية أصبح على الحدود، بينما أمريكا تُدير وجهها عن الحلفاء لفتح قنوات تفاوض مع إيران، إحدى عناصر التهديد التاريخى لهذه المنطقة.
سوريا.. ليبيا.. اليمن.. تحولت إلى "معمل" لتصدير واستيراد عناصر هذه الجماعات بكل توجهاتها الطائفية.. تونس ما زالت تختبر تجربتها الديمقراطية وهى تضع عين الحذر على رد فعل حزب النهضة الإسلامى بعدما أبعدته نتائج الانتخابات عن الحكم.. العراق ما زال يقاوم كل محاولات التقسيم الذى تسعى أمريكا لفرضه كآخر مرحلة فى مسلسل التدمير، حتى وصل الأمر إلى تغاضى أجهزة رصد الطيران الأمريكى عن عبور تنظيم داعش- بكل تسليحه الثقيل- من سوريا إلى العراق بهدف خلق المزيد من الدمار والانقسامات، وسط مقاومة من الجيش العراقى رغم تعرضه إلى أكبر مؤامرة سعت إلى إضعاف هذا الجبش الذى جاء تصنيفه حتى عام 2003 ضمن أقوى أربعة الجيوش.
من واقع هذه الصورة، ولدت الحتمية السياسية لخلق حالة توحد أو تجمع عربى يُنقذ دول المنطقة من فقدان كيانها والتحول إلى إمارات جهادية تعيش على الإقتتال فيما بينها.. وظهرت بوادر تُشير إلى تنسيق عربى حقيقى بعيدا عن أجواء المجاملات و القبلات المتبادلة التى أصبحت سمة مؤتمرات القمة بعد تراخى القوة الحقيقية للعمل العربى المشترك مع انتهاء الستينيات.
الوحدة العربية لم تعد رفاهية أو قطعة أثرية نستعيد بها الذكريات.. هى حقيقة سياسية، أخطأ العديد من الحكام العرب حين أنكروها وتعاملوا على أنها مجرد "كلام أغانى" بدلا من التنبه إلى خطورتها كقضية أمن قومى عربى.. ما أحوجنا إليه وقد أصبحنا كلنا على ظهر سفينة واحدة تحاول اجتياز بحر المخاطر.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
الفك المفترس سوف يبتلعنا واحدا بعد الاخر اذا لم نتحد يالينا - نبطل نوم وغيبوبه بقى
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
معلش يالينا الصبر جميل
بدون