شاء من شاء، وأبى من أبى، فإن المطرب الشعبى، شعبان عبدالرحيم، أقوى تأثيرا من كل الأحزاب، والنشطاء، ونحانيح الثورة فى الشارع، وأكثر منهم وطنية، وحبا لبلاده، ووقوفا بجانبها فى المحن، والذود عنها ضد ألد خصومها.
شعبان عبدالرحيم، رجل أمى القراءة والكتابة، اسمه الحقيقى «قاسم»، ولد فى حى الشرابية، الأكثر ازدحاما وفقرا من بين أحياء القاهرة، وبدأ حياته المهنية عاملا لـ«كى الملابس»، وكان يغنى لأهله وأصدقائه فى الأفراح والأعياد والمناسبات، ثم اقتحم عالم الغناء، عن طريق صاحب محلات بيع شرائط «الكاسيت»، الذى أنتج له أول ألبوماته الغنائية مقابل 100 جنيه فقط، ثم قرر تغيير اسمه من «قاسم» إلى شعبان عبدالرحيم، نسبة إلى أن ميلاده كان فى شهر شعبان.
وعند بداية حياته الفنية، سطر حسا وطنيا وقوميا كبيرا من خلال إطلاق أغنيته الشهيرة «أنا بكره إسرائيل، تعاطفا مع الانتفاضة الفلسطينية، وأحدثت هذه الأغنية صدى وردود فعل مدوية، محليا وعربيا، واتهمته شبكة «سى إن إن» الإخبارية الأمريكية بالتحريض على مناهضة التطبيع مع إسرائيل، ونقلت وكالة أسوشيتدبرس على لسان «كينيث باندلر» المتحدث باسم اللجنة اليهودية الأمريكية حينذاك، قوله إن شعبان عبدالرحيم «راع للكراهية» اليهودية.
وإدراكا من الرجل بما تمر به مصر من مخاطر جسيمة، عقب ثورة يناير، فقد أنتج وغنى أغنيات «اشرب يا أردوغان»، وقناة السويس الجديدة، ثم أخيرا أغنيته الأشهر عن داعش «أبوبكر البغدادى يا أمير المجرمين»، والتى أحدثت ردود أفعال كبيرة، كان من نتائجها أن تلقى رسائل تهديد بالذبح على يد أعضاء التنظيم الإرهابى، وأن كل هذه الأغانى مجانا ولم يتقاض مليما واحدا.
أغنية واحدة للمطرب الشعبى «أمى القراءة والكتابة» كان لها الأثر البالغ فى إزعاج التنظيم الإرهابى الأخطر «داعش»، فى حين أن كل ضجيج أكثر من 80 حزبا فى مصر، وعشرات الحركات والائتلافات، ومئات النشطاء، والخبراء الاستراتيجيين من الذين صدعونا بصراخهم ليل نهار، لم يكن لهم تأثير %1 من التأثير الذى أحدثته أغنية شعبان عبدالرحيم.
المطرب الشعبى كشف على أرض الواقع، وفى تطبيق عملى، حقيقة حجم ووزن الذين يطلقون على أنفسهم النخب السياسية «البزراميطية»، وخبراء «القلووظ»، والأحزاب والحركات والائتلافات، والنشطاء، وأن ليس لهم أى تأثير فى الشارع، ويتحدثون فقط بانتفاخ و«ورم» وهمى، يشبه «الفنكوش»، ودون أى حيثية، ومع ذلك تجدهم يجلسون واضعين ساقا فوق ساق، وبغرور يناطح السماء، فى فرض مطالبهم، وشروطهم، وكأنهم يمتلكون الحقوق الحصرية، للتحدث باسم المصريين.
أغنية واحدة لاقت نجاحا مدهشا، ومبهرا، فى الداخل، وتجاوزت الحدود منطلقة إلى الخارج، وأزعجت قيادات التنظيم الإرهابى، مما دفعهم إلى تهديد شعبان عبدالرحيم بالذبح، لتأثيرها فى القاعدة العريضة من المواطنين فى الدول العربية والإسلامية، وهى القاعدة التى تستهدفها التنظيمات الإرهابية ومن بينها داعش، للعبث بعقولهم، ودس أفكارهم التكفيرية، فيما فشلت فيه النخب «البزراميط» فى الوصول لهذه القاعدة الجماهيرية العريضة فى مصر، واكتفوا فقط بالتحدث من فوق منابر الغرور، عبر القنوات الفضائية والصحف.
شعبان عبدالرحيم، أثبت أيضا أن قلة الكلام، وزيادة الأفعال هى الأقوى والأعظم تأثيرا وقوة، لأنها تمكث فى الأرض، عكس الكلام المعسول الذى يتبخر مع إشراقة أول شعاع للشمس.