عاتبنى بعض من لهم حق العتاب، وربما الحساب، ورغم أنهم لم يهددونى بالعقاب فإن الإجابة.. ومن ثم الاستجابة.. كانتا واجبتين!
عاتبونى على ما أجنح للكتابة فيه فيما الدنيا مشعللة والأحداث مسخمطة والدماء والأشلاء والتكسير والتخريب تهز كيان أى جاد.. ثم يفاجأون بمقالات عن الدراويش وسيدنا الحسين والموالد، أو عن أمور تبدو عندهم بعيدة كل البعد عن الهم اليومى الذى يفتك بالناس.
كانت الإجابة إحالة منى إلى نص التكليف الذى شرفنى به زميلى وصديقى سعيد الشحات، عندما طلب إلى الكتابة فى «اليوم السابع»، وهو نص شفهى - يعنى ما يتمسكش - والعهدة على من يرويه، الذى هو العبدالله، أما مضمونه فهو أن سعيد أذن لى أن أكتب ما شئت كيفما شئت وبأى اتجاه.
تلك هى الإجابة، أما الاستجابة فأبدؤها بتقديم مسوغٍ لما قد يبدو فى نظر المعاتبين والمحاسبين شطحات تمضى بعيدا عن مسرح الأحداث!
وأول «هام» - لا أعرف من أين أتت كلمة هام فى لغتنا الدارجة بمعنى نقطة أو بند - هو أنك تستطيع أن تكتشف العلاقة الوثيقة بين التاريخ والجغرافيا والأنثربولوجيا والاجتماع وعلم النفس الاجتماعى والفلكلور والسياسة داخل أى ظاهرة تريد الحديث عنها أو الكتابة فيها.
ثانى «هام» هو أنه ليس شرطا لكى تقترب من الأحداث الجارية وتبدى رأيك أو تسوق تحليلك فيها أن تؤدى ذلك بشكل مباشر وفج، لأنه كثيراً ما تكون «المباشرة» عيباً فى الشعر والقصة والرواية والسينما والمسرح، فلماذا لا تكون كذلك فى السياسة؟!
ثالث «هام» هو أن الاستقصاء ثلاثى الأبعاد «طول وعرض وعمق» مطلوب هذه الأيام، وكم تكرر على أسماعنا كلام من نوع «الصحافة الاستقصائية» والبرامج التليفزيونية الاستقصائية، وأن فلان الصحفى هو رائد التحقيقات الاستقصائية، وطالما أن العمق هو أحد أبعاد هذا الفن من فنون الكلام المكتوب، فإن العبدلله يمضى باتجاه العمق، فيجده فى الموالد والمواكب وحكايات الدراويش وشطحات المجاذيب، ويستنشق العمق فى جنبات الأديرة والكنائس والجوامع العتيقة والحارات والدروب والأزقة! وفى السعى مشيا بدروب الصحراوات والغابات، وكثيرا ما كانت سهرات حانات وسط البلد كشافات تلقى الضوء على تلك الأعماق.
وسأحاول الآن أن أكتب فى الأحداث مباشرة متجنباً أى عمق أو أى التفاف يكون من شأنه أن أمارس هوايتى إياها!
وأبدأ بالقول، إن هناك «واحد ابن حرام» أحاول حتى الآن أن أصل إليه تحديدا عبر بحثٍ مضنٍ فى كل الأعماق! وهل هو كرومر اللورد الإنجليزى الذى حكم مصر بعد الاحتلال.. أم هو رئيس الوزراء البريطانى كامبل بنرمان الذى عقد مؤتمرا سنة 1907 لبحث ضمان السيطرة على المنطقة - منطقتنا طبعا - أم هو من قبل هذا وذاك بونابرت الذى اشتهر فيما بعد باسم نابليون، أم هو - قبل هؤلاء جميعا - واحد من ملتنا وجلدتنا يعنى مسلم وعربى!
هذا «الابن حرام» هو من أهدى للأمريكان بعد الزمان بزمان الفكرة التى ينفذونها بدقة شديدة الآن، وهى استحضار العفريت المتأسلم وتقويته وتمكينه من بعض بلاد المنطقة، وبذلك يضربون عصفورين بحجر واحد، العصفور الأول هو إشغال هؤلاء المتأسلمين فى شغلانة لها أول وليس لها آخر، هى شغلانة الحكم والسيطرة والتمكين ونفى كل ما ومن يعتبرونه غير متفق مع ما يريدون، وبالتالى لا تقوم لتلك البلدان قائمة إلى أبد الآبدين، وأعتقد أن هذه البلاد هى العراق وسوريا ومصر بشكل أساسى، لأن هذه هى الكتلة السكانية العظمى فى المنطقة، وهى أبرز منتج للحضارة والثقافة والعلم فى المنطقة العربية، وأهم صانع للأحداث فى العصور منذ كانت دمشق عاصمة للخلافة وبعدها بغداد، ثم كانت مصر هى رمانة الميزان فى كل العصور.
أما العصفور الثانى فهو ضمان كف أذى تلك القوى المتأسلمة عن بلاد الغرب الأوروبى والأمريكى بشكل أساسى، وعن بقية بلاد الدنيا بالتالى، وهذا أمر بالغ الأهمية وبغير حدود، وأظنه هو الذى يحفز كل التحركات الأمريكية والأوروبية حاليا، لأنهم لم يخفوا قلقهم من أن تتحول جماعة الإخوان إلى جماعة راديكالية، يعنى بالعربى يدخل الإخوان نادى القاعدة ونادى داعش ونادى النصرة ونادى الجهاديين وغيرهم ممن يمثل القتل معبودهم الذى لا شريك له، وفى مقابل أن يضمن الأمريكان والأوروبيون كف أذى المتأسلمين - بمن فيهم الإخوان - عنهم فلا مانع لديهم أن نكون نحن - كشعوب وأوطان وحضارات وثقافات وإنجازات ومستقبل - الضحية التى يجب أن تبقى ضحية تدفع الثمن إلى الأبد!
فإذا أضفنا لذلك أمرا آخر أراه غير منفصل عن هذا السياق، فسوف نكتشف عمق الموضوع!
والأمر الذى أضيفه هو سعى الكيان الصهيونى ليصبح دولة يهودية خالصة فى مدى قريب، وهو ما تؤيده أمريكا وأوروبا، أو على الأقل لا تمانعان فيه، ولن يكون للصهاينة أن يصبحوا كذلك إلا إذا انتظمت المنطقة كلها فى كيانات دينية مذهبية وطائفية تقودها بالحتم دولة اليهود المتقدمة عن جيرانها فى كل شىء.
هاأنذا قد اقتربت من الأحداث الجارية، ولم ألذ بالكتابة فى مجالات بدت للمعاتبين بعيدة، ولذا فسوف أزيد الصحون مغرفة أخرى من «الدست»!
مغرفتى الأخيرة تتصل بانتخابات الرئاسة، ومدى اتصال ما يحدث فيها الآن بالتحليل الذى احتوته السطور السابقة.
إننى - والرزق على الكريم العاطى الوهاب - ممن يذهبون إلى أن أى مرشح آخر غير السيد عبدالفتاح السيسى - حذفت رتبة المشير عامدا نزولا على الرغبات المحمومة لأنصار مرشح آخر - هو الثغرة التى سينفذ منها الإخوان إلى سطح الأحداث كى لا يمضى وقت طويل ليكونوا فى قمة الأحداث وقمة الحكم ثانية، وبغير أى احتمال لانكسارهم ثانية، حتى لو أبادوا الثلاثين مليون مصرى ومصرية الذين طلعوا فى 30 يونيو وفى يوليو وفى التصويت على الدستور!
هناك مرشحون جُبلوا على ما يسمى تأدبا «الكومبرمايز» واسمه الحقيقى الانتهازية، ولديهم استعداد لجنى المكاسب بعقد تحالفات مع تلك الجماعة الإرهابية ورص المسوغات السياسية والمبدئية والتاريخية التى تجعل من تلك التحالفات قمة فى الوطنية والديمقراطية، وإن كانت المحصلة بمستوى خمسة أو ستة كراسى فى برلمان الإخوان!
لقد ظللنا نحاول الابتعاد عن التفسير التآمرى للأحداث والمسلكيات خشية أن نُتهم بالتخلف أو نتهم بالتواكل لأننا نعلق مشاكلنا على شماعة الآخر والمجهول، ووصلنا إلى أن أُصبنا بعقدة الخوف من أن يفهمنا غيرنا باعتبارنا من أنصار التفسير التآمرى، ولكن أزعم أننى شخصيا شفيت من هذه العقدة، وأستطيع أن أقول إن هناك مؤامرة، أفهمها باعتبارها الجانب المحجوب «المتغطى» من أى خطة يتم تنفيذها.. نعم التاريخ لا تصنعه المؤامرة ولكنه لا يخلو منها.. ونعم ليست هناك مؤامرة، ولكن هناك جهات تدرس وتفهم وتخطط وتحجب تفاصيل أو أجزاء من مخططها. وبالبلدى الفصيح وعلى قاعدة «اللى اتلسع من الشوربة ينفخ فى الزبادى» فلو أن هناك احتمالا واحدا فى المليار، يشير إلى صدفة نجاح المرشح الذى سبق وتحالف مع الإخوان، فإن الإخوان قادمون عائدون مخرجون لسانهم وسلاحهم للجميع.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة