رمضان العباسى

برمجة المشاعر والعادات فى شهر الروحانيات

الأحد، 20 يوليو 2014 11:15 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد سنوات طويلة من الاغتراب الداخلى والخارجى والبعد عن الأهل والحنين إلى أجواء شهر رمضان وسط الطقوس والعادات التى تتمتع بها العائلات المصرية وتقاليدها الراسخة التى تحاول التقنية والمتغيرات الحياتية أن تعصف بها، قضيت الأيام الأولى من شهر رمضان وسط الأهل فى القرية، بعيدا عن صخب العاصمة وضجيجها والغربة وآثامها، وكانت المفاجآة بعد هذا الغياب الطويل فى سيطرة التقنية الحديثة على العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين المواطنين، بدءًا من شخصية المسحراتى، تلك الشخصية المصرية الشهرية التى شهدت العديد من المتغيرات فلم تعد الشخصية التى تنشد الأذكار وتطلق العنان بأهازيح وأشعار تشق ظلام الليل لإيقاظ المواطنين لتناول وجبة السحور، ولم يعد المسحراتى ذلك الرجل الذى يحمل مزماره أو طبلته ويقرع عليها لإيقاظ السكان أو ذلك الرجل الذى يجوب الشوارع ويطرق الأبواب، بل أصبح يستخدم الهاتف فى إيقاظ السكان عبر (مسد كول) وهو جالس فى بيته أو مستلقى على أريكته، ولكن الغريب فى هذه الوسيلة الجديدة عندما وجدت المسحراتى سابقا (رنان الهواتف حاليا) يعاتب على بعض السكان لأنهم فتحوا عليه الخط مما يكبده مبالغ مالية كبيرة، مناشداً المواطنين عدم فتح الخط والاكتفاء (بالكنسلة) عند الاستيقاظ .

لم تكن شخصية المسحراتى وحدها التى جرفها تيار التغير وابتلعتها وسائل التقنية الحديثة، بل أصابت التقنية الكثير من القيم والعادات والتقاليد التى كانت تتمتع بها العائلة المصرية، فقد تم برمجة المشاعر الإنسانية فى شهر العبادات، فمع قدوم شهر رمضان المبارك والعيد وغيره من المناسبات ينهال على كل فرد فينا الرسائل من الأهل والأصدقاء للتهنئة بهذه المناسبة وتلك، مما أدى إلى انقطاع التواصل المباشر وغياب حميمة اللقاء وتجمع الأهل والأصدقاء إلا فيما ندر.

للأسف انتصرت التقنية على الكثير من العادات ونجحت فى برمجة واختزال المشاعر والمناسبات وتحويلها إلى رسائل وكلمات وصور حتى أصبحت وسائل التقنية يطلق عليها "وسائل التواصل الاجتماعى" وكأن الاجتماع العائلى واللقاءات الودية أصبح مكانها الطبيعى عبر الشاشات من خلف أجهزة الحاسوب أو الهاتف المحمول .

أما ما تبقى من قيم وعادات وتقاليد فى المجتمع فيحاول المقاومة على استحياء ولكن عواصف التقنية تواصل ضربتها لتجعل من حياة الإنسان عالما جديدا يبنى على تقاليد فيسبوكية أو توتيترية يحدد معالمها بل جيتس ورفاقه من القائمين على التقنية الحديثة، فهل تنجح القيم والعادات والعبادات فى مواجهة صراع التقنيات أم ستتحول الحياة الاجتماعية إلى كبسة زر عبر الشبكة العنكبوتية.








مشاركة

التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

ابو محمد

عندك حق

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة