ونحن نستقبل شهر رمضان الكريم، يجب علينا أن نتذكر فعل الخير ونشره وتمكينه فى المجتمعات الإنسانية، والذى يعدّ من المقاصد الأساسية للشريعة الإسلامية وخاصة فى هذا الشهر الكريم، ففعل الخير وإن لم يذكره الأصوليون القدامى فى الضروريات الأصلية الست، وهى: المحافظة على الدين، وعلى النفس، وعلى النسل، وعلى العقل، وعلى المال، وعلى العِرض، إلا أنه عامل أساسى لتحقيق هذه الضروريات، فمما لا شك فيه أن رعاية الأيتام من وسائل تحقيق ضرورة حفظ النسل، وكذلك مكافحة البطالة وتنمية مهارات العاملين ليكونوا أكثر كفاءة وإنتاجية هو أكيد من وسائل حفظ المال، وأيضاً المشاركة فى تجهيزات الزواج للفقراء من البنات هو من وسائل حفظ العرض، وكذلك المساعدة فى محو الأمية وتثقيف الشباب وتدريبهم بالتأكيد هو من وسائل حفظ العقل، وأيضاً جهود تطوير الخطاب الدينى ونشر صحيح الدين وتعليم القرآن هو من وسائل حفظ الدين، وكذلك إقامة القوافل والمستوصفات الطبية من وسائل حفظ النفس.
هذا بالإضافة إلى أن تحديد الضروريات الأصلية للدين هو من المسائل الاجتهادية التى يجب أن يعاد النظر فيها من وقت لآخر ويضاف لها أمور، فعلى سبيل المثال يجب إضافة احترام وحماية الحقوق والحريات الإنسانية، وكذلك العمل الخيرى الإنسانى لمقاصد الدين صراحة.
والذى ينظر فى آيات القرآن وصحيح السنة يدرك أهمية فعل الخير فى الإسلام، الذى عبّر عنه بلفظ الخير، والبر، والإحسان، والرحمة، والصدقة، وتفريج الكُربة، وإغاثة الملهوف، والإعانة، وغير ذلك من الألفاظ التى تشترك جميعها فى معنى واحد وهو: مساعدة الإنسان الضعيف والمحتاج، فعلى سبيل المثال لا الحصر أمر سبحانه وتعالى فى سورة الحج آية 77 بفعل الخير: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»، وفى سورة آل عمران آية 133 و134 أمر عباده أيضاً بالمسارعة فى الخيرات فقال: «وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِي الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»، ونفس السورة آية 104 أمر سبحانه بالدعوة إلى الخير فقال: «وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» فأنت مطالب ليس فقط بفعل الخير وإنما بدعوة الناس الآخرين لفعله، وذمّ وحذّر سبحانه وتعالى الإنسان الذى يمنع الخير فى سورة ق الآيات (23: 25) حيث قال: «وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ».
هذا وأكد سبحانه وتعالى أن السعى لفعل الخير لا يستثنى منه أحد حتى الفقراء أنفسهم فكل إنسان أياً كانت ظروفه مطالبٌ بفعل الخير والدعوة له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه البخارى ومسلم: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ، قِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: يَعْتَمِلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ. قالوا: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ: يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ. قَالَوا: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ الْخَيْرِ. قَالَوا: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: يُمْسِكُ عَنْ الشَّرِّ، فَإِنَّهَ له صَدَقَةٌ»، وبالتالى فالكل مطالب أن يسعى لفعل الخير، ويدعو له، ويتعاون فيه، قال تعالى فى سورة المائدة آية 2: «وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ».
ومن خصائص العمل الخيرى فى الإسلام أنه غير طائفى، بمعنى أن المسلم يفعل الخير ويقدمه للجميع بغض النظر عن أى شىء، فهو يقدمه للقريب والبعيد، والصديق والعدو، والمسلم وغير المسلم، والإنسان والحيوان وكل ما فى الكون، فتقديم الخير والمساعدة عندنا غير مشروط، فعندما يتكلم القرآن عن اليتامى والمساكين، وابن السبيل، والمريض، والأرملة، وصاحب الشيخوخة، يصفهم فقط بالاحتياج، ولا يذكر أى صفة دينية أو غير دينية لهم بمعنى أن أى طفل يتيم يجب رعايته، وأى مسكين رجل كان أو امرأة يجب مساعدته، فلا شروط لتقديم العون والمساعدة للضعيف والمحتاج، ومن يظن أن الإسلام اشترط لتقديم العون والمساعدة للمحتاج أى شروط، فهو مخطئٌ فى فهمه. ويكفى قول الله لرسوله فى سورة الأنبياء آية 107: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» فرحمة الإسلام للعالمين بمعنى أنه رحمة لجميع المخلوقات، حتى الحيوانات فالمسلم يرحمها ويساعدها ففى الحديث الذى رواه البخارى عن رسول الله أنه قال: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ، اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا، فَنَزَلَ فِيهَا، فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِى كَانَ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ، فَمَلَأَ خُفَّهُ مَاءً، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، حَتَّى رَقِيَ، فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِى هَذِهِ الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا؟ فَقَالَ: فِى كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ».
ومن خصائص العمل الخيرى فى الإسلام التنوع، فهو لا يأخذ صورة واحدة، بل يمتد ليغطى كل أشكال، وصور الضعف، والاحتياح المادى والمعنوى والنفسى، فيشمل: المأكل والملبس والمشرب والمسكن والعلاج ويشمل أيضاً: التعليم والثقافة والفنون وإدخال السرور على النفس وغير ذلك من المجالات.
هذا وعلى الرغم من كثرة الجمعيات والمؤسسات الخيرية فى بلدنا وعلى الرغم أيضاً من أن حصيلة أموال الزكاة والصدقة فى مصر التى قد تزيد على حصيلة أموال الضرائب، إلا أن المجتمع لا يستفيد منها الاستفادة المنشودة فى التنمية، أولاً: لسيطرة جماعات التطرف والإرهاب على معظم أموال الزكاة والصدقة واستخدمها فى تمويل أهدافهم الإجرامية المشبوهة، وثانياً: للعشوائية التى تحكم عمل هذه المؤسسات الخيرية والتى يترتب عليها هدر وعدم الاستغلال الأمثل لهذه الأموال، شأنها فى ذلك شأن الأموال التى تستخدمها الدولة فى تمويل الدعم.
ومن وجهة نظرى أننا فى حاجة إلا إصدار تشريعات تربط بين خطة الدولة الإصلاحية، وبين عمل المؤسسات الخيرية، بمعنى أن المشروعات التى تتبناها المؤسسات الخيرية يجب أن تكون مرتبطة بخطة التنمية التى تعمل عليها الدولة، على اعتبار أن أموال الزكاة والصدقة من مصادر التمويل الذاتى التى من الممكن أن يعتمد عليها كمصدر لتمويل الخطط التنموية، وهذا مع الأخذ فى الاعتبار الحفاظ على استقلالية المجتمع المدنى. إن الدولة الآن تسعى إلى تشجيع المصريين على التبرع للمساعدة فى دعم خطة التنمية وقد بدأ الرئيس السيسى بنفسه وتبرع، وهذا أمرٌ إيجابىٌ للغاية، ولكنه يحتاج إلى تنظيم حتى تستفيد الدولة من هذه الأموال وحتى يثق الشعب فى الجهات التى سوف تكون قائمة على توجيهها وبالتالى يشارك ويساهم بحسب قدراته.
محمد أبو حامد
خواطر حول تجديد الخطاب الدينى «7» العمل الخيرى والتبرع للوطن
الخميس، 03 يوليو 2014 02:20 ص
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
د. مهدي مصطفى
صدقت نفسك ؟