أبداً لن يجف نهر العطاء.. ولن تتوقف القلوب المحبة للعمل العام ما دامت تخفق بالانتماء الحقيقى للوطن، والارتباط الوثيق بتراب هذا البلد، الذى يستحق منا الكثير والكثير.
لقد انتابنى هذا الشعور وأنا أتجول بين جدران مستشفى زفتى العام الذى أوشك على الانتهاء، فقد شعرت بالفخر والاعتزاز بهذا المشروع الذى كنت قد عاهدت الله منذ أكثر من عامين على أن أكرس كل ما أمتلك من علاقات حتى يتحول هذا المستشفى إلى صرح طبى على أعلى مستوى من التجهيزات، وليصبح بحق مفخرة لكل مواطن يعيش على أرض محافظة الغربية بأكملها، وليس فى مدينة زفتى فقط.
كما أعادتنى هذه الجولة التى قمت بها مؤخرا داخل المستشفى إلى الوراء قليلاً بالذاكرة، فتذكرت أول زيارة قمت بها للمستشفى ورافقتنى فيها الإعلامية ريهام سعيد، التى ساهمت بشكل كبير فى إلقاء الضوء إعلاميا من خلال برنامجها الجماهيرى الناجح على المستوى المتردى الذى كان عليه المستشفى وقت أن كنت أطلق عليه اسم «مستنقع زفتى العام»، حيث إنه فى تلك الأثناء كان قد تحول بالفعل إلى ما يشبه المستنقع، فقد كان يتخذه مجموعة من المدمنين والبلطجية مكاناً يتعاطون فيه المخدرات، ويمارسون فيه جميع أشكال الخروج عن القانون، وكأنه «خرابة» وليس مبنى لمستشفى من المفترض أن يقدم خدمات طبية للناس.
وعلى الرغم من أن هذا المستشفى يقع على مساحة أرض تطل على النيل مباشرة، وتبلغ مساحته 1700 متر مربع فإنه ظل مهملاً لمدة تجاوزت 13 عاماً، وسواء كان ذلك قد تم بقصد أو عن دون قصد إلا أن المحصلة النهائية كانت متمثلة فى هذا التدهور الشديد الذى أصاب المستشفى فتوقف تماماً، وظل مجرد حوائط خاوية من أى مصدر للحياة، بعد أن تحول إلى «مقلب زبالة» تنبعث منه الحشرات والباعوض المسبب للأمراض والناقل للعدوى.
ومع هذا الوضع «المقلوب» بدأت معاناة المواطنين البسطاء فى مركز ومدينة زفتى، حيث تضطر الغالبية العظمى من المرضى إلى السفر والانتقال لمسافات بعيدة من أجل الذهاب إلى المستشفيات المجاورة طلباً للعلاج، وبالطبع فإن ذلك كان يمثل عبئا ثقيلاً على المرضى، ليس بسبب معاناتهم من المرض فقط، بل نتيجة ما يتكبدونه من نفقات فى المواصلات بين زفتى وتلك المناطق التى توجد بها مستشفيات مجهزة لعلاج المرضى.
والحق يقال فإن هذا الشعور بالمعاناة التى لمستها على وجوه أهل بلدى البسطاء الذين يعانون كثيراً ويتعرضون للكثير من المتاعب وهم يبحثون عن العلاج فى أى مكان، قد دفعنى إلى الإقدام على أن أخطو أولى خطواتى فى مشروع إحياء وتطوير مستشفى زفتى العام، على الرغم من علمى التام بأن الطريق نحو هذا المشروع لن يكون مفروشا بالورود، وأنه سوف تواجهنى الكثير من المتاعب حينما أصطدم بالروتين والعراقيل الإدارية والموافقات الرسمية، إلا أن قناعتى التامة بأن الله لن يخذلنى فى هذا العمل الخيرى والإنسانى، حيث إننى لم أكن أنتظر من ورائه أى شىء سوى أن أكون سبباً فى تجفيف دمعة ألم تنساب على وجه مريض لا يمتلك نفقات العلاج فى مستشفى بعيد يذهب إليه مرغما، ويضطر إلى أن يستخدم عدة مواصلات من أجل الوصول إليه، كما كنت على قناعة أيضاً بأن الله سبحانه وتعالى يقف دائما إلى جوار عباده الذين يسعون من أجل قضاء حوائج الناس بنية صافية، ورغبة مخلصة لا تتجه إلا لوجهه الكريم.
إن كل هذه المشاعر التى سيطرت على جوارحى، وحركت بداخلى الكثير من المشاعر المفعمة بالحب لحظة تجولى داخل المستشفى لم تأت من فراغ، وإنما جاءت لتعكس ما بداخلى من رغبة صادقة فى عمل شىء نافع ومفيد لأهل بلدى.. والحق يقال فإننى لم أكن أتوقع أن أرى المستشفى على هذا النحو من الروعة والجمال والنظافة والنظام، فقد تحول من النقيض إلى النقيض، وأصبح شيئاً آخر يشبه إلى حد كبير ما يمكن أن نطلق عليه «الجوهرة المضيئة» وسط ظلام حالك السواد، فها هى غرف المستشفى تستعد لاستقبال المرضى مع حلول شهر أكتوبر، حيث من المقرر افتتاح المستشفى ضمن الاحتفالات بالعيد القومى، وأعتقد أن اختيار هذا الشهر كان موفقاً، لأنه يمثل لدى الجميع حالة خاصة جدا، فهو شهر الانتصارات المدوية، وشهر الإرادة والعزيمة.
إن مستشفى زفتى العام يخطو الآن خطواته الأخيرة فى مشوار التطوير والتحديث وهى مرحلة التجهيزات، حيث يضم أكثر من 200 سرير سيتم تجهيزها على أعلى مستوى من التجهيزات الطبية الحديثة، كما أنه يضم 7 غرف لإجراء العمليات المختلفة، بالإضافة أيضا إلى 23 سريرا مخصصا ومجهزا لغرف الرعاية المركزة، وهنا أتوجه بنداء من القلب إلى الدكتور عادل العدوى وزير الصحة، وهو رجل مشهود له بالمواقف المشرفة تجاه المرضى من محدوى الدخل، وأناشده بالتوجيه بصرف المبلغ المخصص للتجهيزات وهو 18 مليونا سبق الموافقة عليها من أجل هذا الغرض، وأعتقد أن معالى وزير الصحة يعى جيداً معنى أن يقام صرح طبى على هذا الشكل من القدرة الاستيعابية للمرضى الذين ظلوا يعانون كثيرا بسبب توقف المستشفى عن العمل لعدة سنوات، وأنا على يقين من أن الدكتور عادل العدوى وزير الصحة يسير على خطى القيادة السياسية التى تضع خدمة المواطنين فى أولوية وفى صدارة الأنشطة التى تجرى الآن على أرض مصر، وهو ما لمسته بنفسى حينما تحدثت معه هاتفيا لعرض موضوع التجهيزات المطلوبة للمستشفى، فقد شعرت وأنا أتحدث معه أننى أمام مسؤول بمعنى ما تحمله الكلمة من معنى، فهو مهموم بالشأن العام، ويضع نصب عينيه ضرورة تقديم خدمة طبية متميزة لمحدودى الدخل، وكانت سعادتى لا توصف وأنا أستمع إلى الوزير، وهو يؤكد لى أنه لن يدخر جهداً من أجل إنجاز المستشفى فى الموعد المحدد، وأن الافتتاح بكل تأكيد سيكون لائقاً بمستشفى يقم تحت إشراف وزارة الصحة، ويضم نخبة من أكفأ الأطباء فى التخصصات كافة.. وإحقاقاً للحق فإن وزارة الصحة وعلى وجه الخصوص أثناء فترة تولى الدكتور فؤاد النواوى منصب وزير الصحة لم تدخر جهداً من أجل أن يخرج مشروع تطوير مستشفى زفتى العام إلى النور ويدخل حيز التنفيذ، فقد تمت جميع الموافقات اللازمة فى ظل رعاية واهتمام من الوزير شخصيا، وبخطوات تنفيذية شارك فيها خطوة خطوة الدكتور محمد شرشر وكيل وزارة الصحة بالغربية، لذا فإننى أناشد وزير الصحة باستكمال المشوار الذى قارب على الانتهاء بالإسراع فى صرف المخصصات المالية المطلوبة للتجهيزات.
وهناك أمر فى غاية الأهمية لمسته بنفسى خلال زيارتى الأخيرة للمستشفى من أجل الوقوف على آخر ما وصل إليه مشروع التطوير، فقد توقفت طويلاً أمام هذا الاهتمام الكبير الذى يوليه اللواء محمد نعيم محافظ الغربية للمشروع، ويشهد الله أننى لم أكن أتخيل من قبل أن يكون محافظ الغربية على هذا النحو من الحماس لمشروع لم يبدأ فى عهده، ولكنه والحق يقال فإنه تعامل معه بكل هذا الحماس من منطلق حرصه على المصلحة العامة، فقد تعامل مع الأمر بشكل إنسانى بحت، كما أعتبره واجبا يفرضه عليه ضميره الإنسانى، فالرجل حينما استمعت إليه شعرت بمدى إصراره على تغيير أوجه الحياة كافة على أرض محافظة الغربية، من مرافق وخدمات، ومشروعات تنموية بعيدة المدى، وبنية تحتية فى العديد من القطاعات الحيوية، وذلك من منطلق إيمانه العميق بواجبه تجاه المواطنين الذين يعيشون فى المحافظة التى يتولى مسؤوليتها، عملا بالحديث الشريف «كل راع مسؤول عن رعيته»، فاللواء محمد نعيم محافظ الغربية يراعى الله فى كل صغيرة وكبيرة، كما أنه لا يكل ولا يمل من السعى والتجول بشكل يومى بين مدن وقرى محافظة الغربية، وأعتقد أن ذلك ليس جديدا عليه فهو يجسد بشكل «محترم» توجهات الدولة فى تواجد المسؤولين بين الناس فى الشارع بعيدا عن المكاتب المكيفة، وذلك من أجل تذليل العقبات أولا بأول، وإيجاد حلول عملية للمشاكل تكون مستوحاة من أرض الواقع، وفى رأيى أن ما يقوم به اللواء محمد نعيم محافظ الغربية من ثورة على الأوضاع الخاطئة، وحربه ضد الفساد، هى التى تثير من حوله الأحقاد، وتشعل ضده حرب الشائعات التى يقودها شلة من المنتفعين، وأصحاب المصالح الذين يقف لهم بالمرصاد، منحازاً إلى البسطاء من المواطنين الذين يحاول بعض المنتفعين الحصول على امتيازات من المحافظ على حسابهم، كما كان يحدث فى عهود سابقة، وهو ما يعتبره المحافظ خطا أحمر لا يسمح لأحد مهما كان أن يتجاوزه، أو حتى يحاول أن يتخطاه.. وفى رأيى أن ما يمتلكه المحافظ من فكر ورؤى واستراتيجيات وخطط تنموية من شأنها إحداث نقلة نوعية فى محافظة الغربية، ووضعها فى مصاف المحافظات الكبرى على مستوى الجمهورية.
وحينما كنت أستعد لمغادرة المستشفى وقبل أن أخطو ولو خطوة واحدة إلى الخارج تذكرت على الفور هذا الحلم الذى صار يكبر أمامى شيئا فشيئا، إلى أن صار على هذه الدرجة من الجمال، فمستشفى زفتى العام فى طريقه لأن يكون واحدا من أهم وأفضل المستشفيات فى مصر، بل إنه فى تقديرى سوف يضاهى أفضل المستشفيات الخاصة، بما سيكون عليه من تجهيزات طبية وفنية رفيعة المستوى.
إنها قصة نجاح تؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك أن مصر ستظل بخير مادام بها مسؤولون يتمتعون بهذا القدر الكبير من الوعى بمعاناة الناس، ومادام بها إعلام تنموى يعى جيدا دوره فى تنمية وتطوير المجتمع، ومادام بها أشخاص محبون للخير ويسعون دائما من أجل قضاء حوائج الناس.. فمشروع تطوير مستشفى زفتى العام كان منذ البداية، ولا يزال عملاً إنسانيا خالصاً لوجه الله تعالى دون النظر إلى أى مكتسبات شخصية، لذا فقد كان من الطبيعى أن يكلله الله بالتوفيق، ويحيطه بكل عناصر تحقيق النجاح.. فما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة