محمد فودة

قدسه المصريون القدماء وأهانه أحفاد الفراعنة بالتعديات على حرمه

محمد فودة يكتب.. الدولة تعيد الاعتبار لنهر النيل الخالد

السبت، 06 سبتمبر 2014 06:15 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هذا الاهتمام الكبير واللافت للنظر بمياه النيل وحرص الدولة على حماية النهر الخالد ومنع التعديات عليه بأى شكل من الأشكال، لم يكن أمراً غريباً أو مستحدثاً، فالنيل وعلى مر العصور يمثل للمصريين شريان الحياة، وحظى بالتقدير والتبجيل ما وصل إلى درجة التقديس.

فمن أجل النيل أصدر الملك العظيم حور محب أول قانون بيئة فى التاريخ يعاقب بمقتضاه من يلوث المياه المقدسة، وهو يعنى بذلك مياه نهر النيل، وتتمثل العقوبة فى كسر الأنف، وهو مجرد عقاب دنيوى، حيث كان يعتقد المصريون القدماء أن من به عيب فى بنيته لا يدخل الجنة، لذا فقد كانوا يرون أن الذى يتسبب فى تلويث مياه النيل وتمت معاقبته بكسر أنفه لن يدخل الجنة «حسب اعتقادهم»، فكتاب الموتى وهو كتاب مقدس فى عقيدة المصريين القدماء يشير إلى أن الميت عندما يحاسب يقول «لم أكذب.. لم أسرق.. لم أقتل.. لم ألوث الماء المقدس وهو المقصود به مياه نهر النيل».

هكذا كان النيل بالنسبة للمصريين القدماء، فما الذى أوصلنا إلى هذه الحال السيئة التى صار عليه النهر العظيم الآن، ففى غفلة من القانون وفى ظل انعدام رقابة الدولة أقيمت المصانع التى تلقى مخلفاتها فيه، واقتحمته البواخر السياحية وسفن النقل، وتحول إلى مجرد وسيلة لاستقبال مياه الصرف الصحى، سواء كانت هذه المياه معالجة أم غير معالجة، فضلاً عن سلوكيات المواطنين السيئة حيال النيل مثل إلقاء المخلفات والحيوانات النافقة، فصارت المياه ملوثة، وتحولت إلى مصدر للأمراض وناقل للعدوى.

لذا فإننى أتوقف طويلاً أمام تلك الصحوة وهذا الاهتمام الكبير من جانب الدولة لنهر النيل وحرص الرئيس على متابعة ملف مياه النيل يوماً بعد الآخر، خاصة أننا لم نر من قبل اهتماماً على هذا النحو من الجدية، فقد صرح الدكتور حسام مغازى وزير الموارد المائية والرى إن الوزارة أعدت مشروع قانون تم تسليمه لمجلس الوزراء لتجريم التعديات على نهر النيل، يتضمن حبس المتعدين مدة لا تقل عن سنة، ورفع الغرامة من 200 جنيه إلى 20 ألف جنيه لوقف نزيف الخسائر المستمر فى نهر النيل، بسبب زيادة أشكال التعديات.

وهنا أتساءل: هل فرض عقوبات تصل إلى حد السجن كفيلة بتغيير سلوكيات المواطن تجاه النهر؟! إن المسألة فى حاجة إلى آليات أخرى من شأنها تصويب هذا الوضع المقلوب.. أعتقد أن تلك السلوكيات التى شاعت بين الناس وعدم الحرص على هذا الشريان المهم الذى حمى مصر من أخطار الجفاف التى تعرضت لها عدة دول أفريقية منذ عدة سنوات، لن تتغير بين يوم وليلة، ولن تتغير بأساليب الترهيب التى قد تتحقق بالقانون، وإنما يمكن تغيير سلوكيات الناس من خلال التوعية بأهمية هذا النهر، والتوعية بمدى الجرم الذى يتم ارتكابه فى حق الأجيال القادمة، بتلك التعديات على حرم النيل، خاصة أن الخطر الحقيقى الذى يواجه نهر النيل ليس فى التعديات بالردم والبناء على جانبيه وحسب، بل يتمثل فى الإهدار الكبير لمياه النهر، والتى تذهب هباء دون أدنى استفادة منها بسبب سلوكيات تصدر من المواطنين دون وعى بخطورة ما يرتكبون من تصرفات سيئة.

وبالطبع فإن تلك السلوكيات لن تتغير بين يوم ليلة بل هى فى حاجة إلى استراتجية واضحة يتم العمل بمقتضاها على توعية الناس بخطورة الموقف، وهنا يبرز دور المسجد والكنيسة فى هذا الشأن، فالشعب المصرى شعب متدين بطبعه، ورجل الدين «المحترم» فى الدين الإسلامى والمسيحى على حد سواء يحظى بمكانة مرموقة بين جموع الشعب، الأمر الذى يجعلنى أطالب بالتنسيق بين وزارات الرى والموارد المائية ووزارة شؤون البيئة مع وزارة الأوقاف والكنائس لاستثمار دور العبادة فى توعية المواطنين بأهمية الحفاظ على النيل وترشيد الاستهلاك فى مياه النيل.

كما أن التوعيد يجب أن يشمل أيضا المدارس، فقد أحسن المهندس إبراهيم محلب صنعاً حينما كان فى اجتماع المجلس الأعلى لحماية نهر النيل، حيث وجه بأهمية أن تتضمن المناهج الدراسية للنشء أبواباً عن النيل كشريان حياة للمصريين يجب الحفاظ عليه.

وفوق كل هذا أو ذلك فإننى أرى أهمية أن لا يكون هناك شخص فوق القانون، وأن تظل الدولة حريصة على الاستمرار بهذا النهج فى حماية نهر النيل، دون أى تراخٍ أو تهاون مع كل من تسول له نفسه الاعتداء على حصة مصر التاريخية من مياه النيل، فمصر تواجه منذ بداية عقد التسعينيات أزمة مائية حينما دخلنا إلى ما يسمى خط الفقر المائى، حيث انخفض نصيب الفرد فى مصر عن 1000 متر مكعب سنويا، كما أن هذا المعدل مرشح للانخفاض بسبب الاستعمال غير الواعى للمياه، أو بسبب انخفاض الوارد من المياه لبحيرة ناصر، إلى جانب الخطر الأكبر الذى يتهدد حصة مصر من مياه النيل، وهو مشروع سد النهضة بأثيويبا.

لذا فإن نجاح الدبلوماسية المصرية فى إحداث انفراجة كبرى فى تلك الأزمة يؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك أن الاحترام الدولى الذى تحظى به القيادة السياسية على مستوى العالم أسهم وبشكل لافت للنظر فى الوصول إلى مؤشرات طيبة فى إيجاد حل يرضى جميع الأطراف، وبما لا يؤثر سلباً على حصة مصر من مياه النيل.

أيها المصريون.. لم يعد الأمر يحتمل الاستمرار فى التعامل مع النهر بإهمال، ولم يعد من المقبول القيام بأى شكل من أشكال التعديات على حرم النهر الخالد، فإن لم تستيقظ الضمائر ويصبح احترام النيل نابعاً من داخلنا، فسيكون للقانون كلمته العليا فى هذا الصدد، وبالطبع سيكون الجزاء من جنس العمل، لأن هذا النهر ليس ملكاً لأحد، ولكنه من حقوق الأجيال القادمة علينا، ويجب أن نحافظ عليه كما حافظت عليه الأجيال التى سبقتنا منذ بدء الخليقة.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة