جيم كلانسى.. احفظ هذا الاسم جيدا وابحث عن صورته واطبعها فى عقلك، فهو رجل أشيب فى الخمسينيات أو ربما يزيد من عمره، وهو كان من كبار مذيعى شبكة سى إن إن الإخبارية الأمريكية، أما لماذا أطالبك بأن تحفظ اسمه وتطبع صورته فذاك لأسباب عدة، ذلك أن هذا المذيع الذى عمل من 1982 إلى 1996 مراسلا دوليا لـسى إن إن فى بيروت وفرانكفورت وروما ولندن، حائزا بذلك على العديد من الجوائز الدولية، ليستقر به الأمر كمقدم لبرنامج «ذا بريف» المتخصص فى تحليل وقراءة الأخبار العالمية وبالتحديد منطقة الشرق الأوسط، منذ أيام، فقد وظيفته المرموقة وإضطر لغلق حسابه على موقع التواصل الاجتماعى تويتر، بعد خناقة حامية الوطيس مع بعض من مرتادى هذا الموقع من مؤيدى إسرائيل، القصة بدأت بعد الاعتداء الذى حدث فى باريس على رسامى شارلى إيبدو، حين كتب كلانسى «الرسوم الكاريكاتيرية لم تهزأ من النبى محمد ولكن من الطريقة التى حاول بها الجبناء تشويه كلامه، انتبهوا» وفى بعض النقاشات مع مؤيدين لإسرائيل، جادل كلانسى بأن «الصوت المؤيد لإسرائيل يحاول إقناعنا بأن الرسامين كانوا حقا معادين للإسلام»، متهما حسابات على «تويتر» بأنها جزء من حملة علاقات عامة لمصلحة الدولة العبرية. وما كانت إلا ساعات وأعلنت شبكة سى إن إن أن كلانسى قد تقدم باستقالته وإن كان العالمون ببواطن الأمور قالوا وأكدوا أنها إقالة، وأغلق كلانسى موقعه تماما.
موقف جيم كلانسى وما حدث معه يدفع أى صاحب عقل لأن يخرج بعدة دروس أو نقاط مهمة لعلنا نتعلم، وأولها: أن الغرب الذى نتغنى ليل نهار بالحرية فيه، حريته ليست مطلقة ولكنها مرتبطة بماما إسرائيل وليس ماما أمريكا، وأن مجرد نقاش على موقع اجتماعى بعيدا عن العمل قد يكلف صاحبه مهنته رغم كل مواصفاته. وهذا بالتأكيد لا يعنى أنى من القائلين مادامت الحرية فى الغرب هكذا فلنرض بكبت الحريات، ولكنها مجرد ملحوظة لزم التنويه بها.
ثانيا: جيم كلانسى منذ سنوات يعمل فى شؤون الشرق الأوسط ويبدى محاولات كثيرة فى أن يعدل ميزان الإعلام تجاه قضية الشرق الأوسط وفلسطين، ولكن لا أحد فى وطننا العربى التفت إليه أو فكر أن يستغل محاولة عدله وموضوعيته، فقط حينما ترك وظيفته صار خبراً وهو بلا ميكروفون ولا كاميرا. صحيح أن الشأن الداخلى يجب أن يكون هم الإعلام الأول، لكن للأسف ثقافة أغلب إعلامنا محلية تتحدث مع نفسها وعن نفسها، ولا تتابع شأنا خارجيا حتى لو كان يخصنا، وهى مصيبة، فالإعلام هو بوابة الشعوب للمعرفة، فإن كان إعلامنا نافذته نصف مغلقة فالظلام سيخيم على العقول.
ثالثاً: كلانسى فقد وظيفته لأنه قال كلمة ظنها حقا، وهى حق، فكم منا كتب على مواقع التواصل هاشتاجا أو حتى فكر أن يكتب كلنا كلانسى بدلاً من هؤلاء الذين سارعوا يجرون وراء كلنا شارلى ويتباكون على حرية التعبير، ألم يكن كلانسى حرا أيضاً فيما يقول؟!
رابعا: على سلالم نقابة الصحفيين المصرية تم تنظيم وقفة بلافتات مكتوب عليها إلا رسول الله، وفداك أبى وأمى يا رسول الله، ومثل هذه التعبيرات وكأنها رد على الوقفة التى سارع فى تنظيمها النقيب من قبل بعد حادث شارلى إيبدو دفاعاً عن رسامى شارلى المغدورين، وللحق فإن كلا الفريقين أسوأ من الآخر، فلا نقيب صحفيى مصر يجب أن يتباكى على قتلى شارلى لأنهم سخروا من دينه، ولا نصرة محمد رسول الإنسانية يجب أن تكون بلافتة مكتوب عليها فداك أبى وأمى يا رسول الله، فهى عبارة تستدعى السخرية أكثر من التعاطف، فلم تفد رسول الله بأمك وأبيك ولا تقول فداك نفسى يا رسول الله! والأهم أن سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، ليس بحاجة لفداك بنفسك ولا بأمك وأبيك وخالتك وعمتك، إن الله الذى أنزل كتابه وحفظه وأيد رسوله حين كان وحيداً قادر اليوم وأتباعه بالمليارات أن يدافع عن سيرته، فياليتنا فقط نقوم بدورنا ونكون مثالا محترما، كما أراد لنا الرسول، أن نكون مؤمنا فطنا ليحبنا الله، ولكن نحن للحق لسنا كذلك مادمنا لا نعرف كلانسى ولا نسعى لنصرته ونكتفى بلافتة مكتوب عليها إلا رسول الله.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة