عندما تسافر إلى الصعيد وتجمعك الجلسات العائلية مع أهل قريتك أو أصدقائك القدامى فليس أهم ولا أولى من الحديث عن الحملات الأمنية التى لا تتوقف وطلبات تسليم السلاح التى يفرضها رجال المباحث على أبناء تلك القرى، بعضها عن حق لأنه يخص أشخاصًا يحتفظون بالفعل بسلاح غير مرخص، والبعض الآخر لا يصادف أهله بل يمس أشخاصًا لا يملكون حتى ثمن الذخيرة التى يستخدمونها إن امتلكوا السلاح، لكن حظهم العثر أن مخبرًا من رجال المباحث وضع أسماءهم ضمن قائمة المستهدفين بالحملة، أحيانًا بحسن نية ونتيجة شكوك، وكثيرًا بسوء نية ورغبات انتقامية.
لكن فى كل الأحوال ورغم تأثير هذه الحملات على نفسية البعض وإجبارهم على تسليم قطع سلاح، فرد روسى أو مسدس أو حتى بندقية، وأغلبهم يضطر لشرائها من تجار السلاح الذين حققوا مكاسب ضخمة بسبب هذه الحملات خلال السنوات الماضية، لكن مع كل هذا تظل حالة الرضاء الشعبى عن عودة الأمن والأمان للبلاد، فقد قلت السرقات وانخفضت جرائم السطو وتناقصت حالات قطاع الطرق، يشهد الجميع أن الداخلية تبذل جهودًا ضخمة فى سبيل تحقيق هذا المعدل الأمنى المتزايد يومًا بعد الأخر، ويواجهون سيلاً من الشائعات التى تستهدف النيل من سمعتهم، مرة باتهامات التعذيب عامل على باطل، ومرة بإدعاءات من عينة أنهم يتركون السكارى والمتحرشين ومتعاطى المخدرات ويقبضون على من يقولون لا إله إلا الله، سمعتها بنفسى من أحد الشباب وهو يفبرك قصة عن أن حملة أمنية نزلت قريته فوجدت بعض الشباب الذين يتعاطون المخدرات ويلعبون القمار، وقبل أن يسرع الشباب بالفرار، طمأنهم الضابط قائد الحملة وهو يقول لهم، خليكم إحنا مش عايزينكم انتم، إحنا عايزين التانيين أصحاب اللحى اللى بيصلوا، شائعة تروج فى القرية كما النار وراءها مجموعة من أعضاء الجماعة الإرهابية لكن نتيجة غضب البعض من حملات جمع السلاح وتصرفات بعض رجال الشرطة تحولت الشائعة إلى خبر يلف البلد بمصداقية احتاج تكذيبها لجهد كبير، وقبل أن تنفيه تجد قصة أو شائعة أخرى محبوكة بحرفنة وملعنة تفرض نفسها وتنتشر على مصاطب القرى وفى شوارعها لتزيد صورة الشرطة تشويها.
خلاصة الأمر أن الشرطة لديها رصيد يمكن البناء عليه أن استطاعت أن تتخلص من بعض السلبيات التى وإن حدثت فى معظمها بشكل فردى لكنها تؤثر بالتأكيد على الصورة العامة للمؤسسة الأمنية، فليس منطقيًا أن يتسبب أمين شرطة فاسد أو متعجرف فى الإساءة لآلاف من الضباط والأمناء الأخرين الذين يعرضون أنفسهم للخطر من أجل حماية الناس وتحقيق أمن البلاد، كما ليس مقبولاً أن تتحول الحملات الأمنية من جديد إلى وسيلة تستخدم فى خلق حالة من الكراهية الشعبية للشرطة، وأيًا كان مبرر تلك الحملات والظروف التى تمر بها البلاد فلا يجب أن تدفع بعض رجال الشرطة إلى التجاوز، بل على العكس تماما تستطيع وزارة الداخلية أن يستغلوا الظروف الأمنية الصعبة والإرهاب الذى يهدد المصريين ليعيدوا الثقة التى فقدت بعض الشيء فى الفترة الأخيرة بينهم وبين المواطن، فقط يحتاج رجال الشرطة ليحققوا هذا أن يجيدوا التفرقة بين المجرم والمواطن الصالح، بين الإرهابى والوطنى، حتى وإن تطلب هذا دورات خاصة تنظمها الوزارة لكل رجالها، كما يجب مراجعة الحملات الأمنية الليلية بشكل دقيق، لا أقول إيقافها أو تقليل عددها، فهى من الأدوات المهمة لضبط الأمن، لكن أقول وأطالب بأن تخضع لمراجعة شاملة سواء فى المعلومات التى بنيت عليها أو الأسماء التى تستهدفها، وأن يبتعد بعض رجال المباحث عن أسلوب الإجبار على تسليم السلاح دون دليل.
القصة فى العلاقة بين رجل الشرطة والمواطن لا تحتاج لأكثر من حسن معاملة وفطنة أمنية وأظن هذا ليس صعبًا على رجال الداخلية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة