يخطئ من يظن من بعض المحتكرين ومافيا الأسواق أن تدخل الحكومة فى الأسواق بالسلع الرخيصة سيتوقف سريعا أو أن وجبة الـ30 جنيها مؤقتة وستختفى بعد شهرين أو ثلاثة، لو راهنوا على هذا فهم خاسرون وسينتظرون طويلا، فالدولة حسمت أمرها وقررت بعد طول دراسة ألا تترك المواطن مرة أخرى لقمة سائغة فى يد التجار المتربحين على حساب الغلابة، ربما ما لا يعلمه كثيرون أنه على مدى أكثر من عام ونصف تقريبا لم يتوقف التفاوض مع مافيا المحتكرين من أجل تحمل مسئولياتهم والتخفيف عن كاهل المواطن وعدم المغالاة فى أرباحهم على حساب جيوب الناس، مفاوضات بدأها وقادها الرئيس السيسى نفسه حتى قبل أن يصبح رئيسا للجمهورية واستكملتها الحكومة بتوجيه منه ومتابعة شخصية بعد توليه الرئاسة لكن دون فائدة، فالمحتكرون رفضوا التنازل عن أى نسبة من مكاسبهم، بل وصل الأمر ببعضهم الى التحدى ومواصلة رفع الأسعار دون تعقل، كانت الأرقام واضحة والمكاسب تتضاعف ويدفعها المواطن مجبرا أمام احتياجه للغذاء، وتحكم المحتكرين والمستوردين فى السوق، فالمواطن مجبرا بأمر المافيا أن يدفع أرباحا لأربع جهات مرة واحدة، تبدأ بمافيا الميناء ثم مافيا الموردين ومافيا تجار الجملة، وتنتهى بمافيا تجار التجزئة، وبسبب هذه المافيا الرباعية وتشابك مصالحهم وتحالفهم كانت الأرباح التى يتحملها الغلابة تصل فى بعض السلع الاستراتيجية إلى حدود الـ120 بالمائة من السعر الحقيقى، ورغم ذلك لم يجد المواطن من يدافع عنه أو يحميه من هؤلاء بدعوى حرية السوق.
كل هذا جعل الرئيس شخصيا أمام تحد لا يحتاج سوى المواجهة بلا تراجع، وليس أفضل للمواجهة من تدخل الدولة لتتحكم فى الأسعار لكن بطريقة ناعمة، لا أسعار جبرية ولا فرض على أحد، ولكن المنافسة بقوة الدولة، توفير السلع بأسعار مخفضة، الدولة تنزل إلى الأسواق بكل قوتها، جيش وتموين وزراعة، وللمواطن أن يختار وللمحتكرين أن يتحملوا نتيجة ما قدمت أيديهم.
ما طرحته الدولة من سلع مخفضة يكفى لكسر إرادة المافيا، السلع المخفضة التى طرحتها الدولة تمثل أكثر من 50 بالمائة من احتياجات الأسر المصرية من السلع الغذائية، وبأسعار لن يتحمل منافستها التجار وكبار المافيا الذين تخيلوا أنهم أقوى من الدولة وكانوا يريدون قيادة العصيان التجارى ضد قراراتها، لكن جاء الوقت ليعلموا أن لهم حدودا لا يجب أن يتجاوزوها، حتى الآن أربع سلاسل كبيرة استجابت وطلبت رسميا من التموين فتح منافذ لبيع السلع المخفضة فى مقارها خشية الخسائر التى ستلحق بها، بعدما تأكدت أن السلع الحكومية ليست فقط رخيصة السعر وإنما جودتها عالية، عدد ليس قليل من المسئولين وبتكليفات واضحة اشتروا سلع المجمعات لتجربتها فى منازلهم والتأكد من جودتها حتى تكون لديهم مصداقية فى إقناع المواطنين بها.
أستطيع التأكيد مرة أخرى أن ما حدث ليس مجرد حيلة يتيمة للدولة، ولا وسيلة مؤقتة، فالمشروع مستمر لأنه ليس خطة وزير ولا وسيلة حكومة، وإنما هو وعد رئيس تحول الى استراتيجية دولة لقهر المحتكرين الذين يريدون ذبح المواطن البسيط، فالسلع المخفضة لن تنتهى سريعا ولدى الدولة مصادر تضمن استمرارها، ووجبة الـ30 جنيها لن تختفى، بل ستزيد وتتنوع أكثر مما هى عليه الآن.
الأهم أن هذا كله ليس سوى مرحلة أولى لتدخل الدولة من أجل حماية المواطن من استغلال المحتكرين، فالقادم ربما يكون أكثر تأثيرا على الأسواق وأصعب على مافيا المحتكرين والمستوردين المستغلين، لن أبالغ إذا قلت إن المرحلة القادمة ستكون مصر خلالها من الدول التى تتمتع شعوبها بالرفاهية الغذائية وتحديدا فى اللحوم، وهناك جهد يتم الآن على كل المستويات الحكومية بل والرئاسية أيضا من أجل الوصول الى هذا الهدف فى أسرع وقت، هناك تعاقدات فى الطريق لشراء مراعى كاملة فى بعض الدول ستنقل منتجاتها الى مصر عبر أسطول نقل مصرى ضخم يتم تجهيزه الآن ولن يستطيع المحتكرون مواجهته، وسيتكرر الأمر مع الأسماك والفراخ، لن يجد المواطن المصرى أيا كان مستواه الاقتصادى صعوبة فى الحصول على ما يحتاجه من لحوم، بل سيجد المحتكرون أزمة فى توزيع وبيع سلعهم، لسه القادم أفضل.
عدد الردود 0
بواسطة:
atef
رحم الله الدكتور / أحمد الجويلى