يقف الرئيس السيسى الآن عند مفترق طرق.. تلك فرصة يمنحها التاريخ لأى نظام سياسى حتى يعيد ترتيب أوراقه، ويضع نفسه على الميزان، ويتعلم من أخطاء أسلافه.. والنظام الحالى يدور بين دوامات ثلاث: دوامة الواقع، وهو ملىء بالقهر والآمال المنقوصة، ودوامة المتوقع، وهو مخيف إذا استمر الوضع بنفس الوتيرة، ودوامة المأمول، كلنا اتفقنا على التخطيط له ثم اشتركنا فى تلويثه، وتحطيم قواعده.
تكشف الضربات التى تلقاها هذا النظام فى فترة قليلة حجم الصمود والتصميم الذى يسيطر على أدائه.. ربما هو صمود مستمد من تأكيدات «السيسى» المتكررة على «عودة هيبة الدولة وسيادة القانون»، لكن دوامة الواقع تكون أقوى أحيانًا مما يتخيلها كثير ممن بيدهم مقاليد الحكم، هؤلاء الذين استلوا أسلحتهم منذ 3 يوليو استعدادًا للأسوأ، لكن لم يتصوروا أن هذا الأسوأ سيكون مظلمًا وممتدًا ومناورًا ومدعومًا بتراكمات من أخطاء الماضى، وخطايا الأنظمة السابقة، بل ومشحونًا أيضًا بغباء، وسوء إدارة من مسؤولين حاليين، فانشغل النظام بلملمة ما تبعثر منه، واعتبر توقع ما تحمله الأيام المقبلة نوعًا من الترف.
لم يبق من حاسة المتوقعين فى هذا النظام سوى استغلال الخوف المسيطر على النفوس من ضياع هذا البلد، فيتركون لأنفسهم العنان فى تبرير البطش بمقتضيات الأمن القومى، وتفسير خرق القانون بالحفاظ على حياة المواطنين، والتحجج باستعادة الأمن عند التمادى فى الاستغلال السيئ للسلطة، وتحويلها لقسوة مفرطة.. أصبحت الأيدى تعمل قبل العقول أحيانًا، والأصابع تستجيب لسحر الزناد قبل أن تستجيب لإشارات المخ.
عند بدايتها كانت 30 يونيو وما بعدها عفية، ومليئة بالمفاجآت، وسجلت الدولة نقاطًا كثيرة فى صراعها مع اللادولة.. لا تفسير لدىّ لذلك سوى أنها كانت تفكر أكثر، و«السيسى» لم تعد لديه رفاهية الوقت الآن للتجربة والخطأ، فهو يخسر من حيث لا يدرى، ومن كثرة المتكلمين حوله، وقلة الفاعلين. اليوم وبعد أن أصبحت الأرض من تحته أقل اهتزازًا عليه أن يترك مساحة من مخاوفه لصالح قرارات شجاعة، ليس فقط لإرضاء الناس– وهم أحق بالرضا- لكن أيضًا لأن مستقبل حكمه مرتبط بقدرته على اتخاذ مثل هذه القرارات.. مرتبط بسرعة القصاص من مستحلى الدماء، بقدر ما هو يسعى لاستقلال السلطة القضائية، وهكذا يمتد الخط على استقامته.
نحتاج القرارات الشجاعة الفاعلة، لأنها بالتأكيد خير من الخطب الرنانة الحانية، فالكلام أصبح سلعة متوافرة ورخيصة، بينما العقل مازال بضاعة نادرة، ولن يستمر الأمر طيعًا تحت يدى النظام، إذ اكتفى بكل انتصار تقابله هزيمتان، فالسلطة لا يجب أن تستسلم لغفلتها حتى لو كانت الضربات موجعة، وقد شكا المصريون دومًا من فكرة الحاكم الأوحد، والقائد الأوحد، والمعارض الأوحد، بينما يهللون الآن لمن يروجون لفكرة المُخطِط الأوحد.
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرية جدا
مقال متميز وشجاع
شكرا أستاذ عمرو جاد وفى انتظار المزيد ..