«داعش» تطور طبيعى لبداية من جهود مصرية أمريكية سعودية فى السبعينيات من القرن الماضى، فى مصر كان الرئيس السادات يريد من وجود إلاخوان القضاء على اليسار والناصريين المعارضين لسياساته، أمريكا كانت تريد تجنيدهم فى أفغانستان للحرب ضد الاحتلال السوفيتى، السعودية دفعت الأموال.. هذا تاريخ معروف لن أطيل فيه، انتهى كما رأينا، قتلوا السادات فى مصر، وفجروا برج التجارة العالمى فى أمريكا، لم يستطيعوا التحرك فى السعودية مصدر المال.. بعد حرب العراق الثانية، وتسريح الجيش العراقى ظهرت الجماعات الجهادية هناك، القاعدة، كرد فعل على النفوذ الشيعى الجديد، ورد فعل على أمريكا التى ساندت هذا النفوذ، وتطوروا إلى داعش، لكنهم كلهم فى النهاية بدرجة أو بأخرى صناعة أمريكية، رأت فيهم أمريكا طريقًا إلى تقسيم العالم العربى، فسكتت عنهم، أو أبدت استعدادًا لا يحدث أبدًا لمقاومتهم.. ستقول لى ما دخل تركيا؟، سأقول لك إن تركيا طمعت بعد وصول الإخوان لحكم مصر فى تحقيق حلمها القديم فى الدولة العثمانية، لكن الحلم تبخر مع إخراج الإخوان من الحكم.. ستقول لى ما بال السعودية تقف ضدهم الآن؟، سأقول لك لأنهم أظهروا أن غايتهم ليس دولة الشام والعراق، لكن الخلافة الإسلامية التى لا عاصمة لها إلا المدينة أو مكة.. ستقول لى ما بال قطر؟، سأقول لك هذا ما لا أفهمه، فقطر لن تحكم العالم العربى، ولا قدرة لها أن تكون مقرًا لأى خلافة إلا إذا كانت تريد أن تكون كل دول العالم العربى أصغر منها مساحة، فتتفوق هى بالمال!.. ستقول لى وإسرائيل؟، سأقول لك إن إسرائيل تدعم سرًا وتنتظر خلو الأرض من سكانها فى سوريا وغيرها لتتمدد، وهكذا لكل هدفه. وحتى الآن والراية المرفوعة محاربة «داعش» ترى أن هذا ليس جديًا فى كل الأحوال.. ستقول لى وما بال مصر؟، سأقول لك لقد أخطأ النظام المصرى قديمًا، وأخطأ مبارك الذى أبقى على الإخوان ليس لأنه ديمقراطى، لكن لاستخدامهم كفزاعة أمام الخارج والداخل، يبرر بها ديكتاتوريته.. ستسألنى: كيف ترى الأمور الآن إذًا؟، سأقول لك المشهد العام لا يطمئن، فما زالت الأهداف القديمة عند نفس الدول الداعمة لداعش، لكنها دول خائبة التفكير، لقد نسيت الماضى الذى انتهى بكوارث للسادات وأمريكا أمام هدفها الأكبر فى تفتيت المنطقة، وهذا غباء تاريخى، لكن الغباء الذى أقصده هنا أعمق، وأعنى به استهدافهم مصر، فمصر ليست دولة متعددة الأجناس، مثل العراق وسوريا، ولا متعددة اللغات، مصر نسيج واحد منذ خلقها الله، والأقليات فيها مثل أهل النوبة الكرام ليسوا أهل حرب مع المصريين، والأخطاء التى ارتكبت فى حقهم يمكن معالجتها، ستقول لى أهل سيناء؟، سأقول لك كانوا ومازالوا أعظم من دافع عن مصر بعد الاحتلال الإسرائيلى، وما يحدث الآن من بعضهم رد فعل على القمع والمعاملة البشعة لهم التى حين تنتهى سيعود كل شىء إلى أصله.. مصر على الإجمال نسيج واحد، والخطة الحمقاء من تشجيع «داعش» فى ليبيا بالمال والسلاح تتم من الذين يدعون مقاومة «داعش» فى سوريا والعراق، وهذا التناقض ليس له سوى معنى واحد، هو استهداف مصر يومًا بحرب من الغرب.. غباء هؤلاء أنهم لا يدركون أن قبائل الصحراء الغربية ممتدة فى ليبيا، وستكون سندًا فى أى حرب على مصر هنا أو هناك. وغباء هؤلاء أن مصر لم تنقسم يومًا، ولن تنقسم، إذًا هو أمر لن يزيد على تنغيص الحياة السياسية على مصر والمصريين. لقد وصل الأمر مداه بسرعة، وقتلت «داعش» واحدًا وعشرين مصريًا، اختارتهم مسيحيين لإشعال الفتنة الطائفية فى مصر. استبقوا الأمر الأغبياء، متصورين أن قلاقل الإرهاب فى مصر من قنابل تتفرق على البلاد ستجعل الدولة تتردد فى الرد، لم يفهموا أن الأمر لن يحتاج تدخلًا بريًا فى متاهة ليبيا، فقط غارات على بعض مواقعم، وستجد هذه الغارات صدى طيبًا عند الليبيين صناع الثورة الحقيقية على القذافى، والذين يعرفون أن مصر وليبيا كلتيهما ظهير أبدى للآخر، لذلك كنت من الراضين والمتحمسين للغارة التى شنها الطيران المصرى على بعض مواقع «داعش».
ورغم أن الدولة المصرية وهى تفعل ذلك وضعت المسألة أمام مجلس الأمن، لكنى مع استمرار الغارات، لقد استبقنا المشهد العام، ولابد أن نستمر، لقد عارض البعض ما جرى خوفًا على المصريين هناك، لكن رأينا رد فعل فى اليوم التالى من إعلان ما بقى من الدولة الليبية الإفراج عن الصيادين، وإعلان من يسمون أنفسهم «فجر ليبيا» أن ما تردد عن تهديدهم للمصريين غير صحيح، بل الصحيح أن القبائل الليبية الأصيلة وليس هؤلاء القتلة الوافدين على ليبيا من دول أخرى بحجة الإسلام، هذه القبائل لن تتأخر عن مساندة المصريين فى الداخل، ودعمهم ولو بالسلاح، لأن الشعب الليبى فى مجمله لايريد هذه العصابات التى سرقت الثورة ونجحت، والتى تركها العالم والدول التى تتباهى بالحرب غير الحقيقية على «داعش»، تركها لتكون يومًا شوكة فى ظهر مصر التى أفسدت كل مشروعات التقسيم الممكنة.. الآن انفتح الباب بعد الغارة المصرية أمام العالم لمواجهة «داعش» بشكل حقيقى، دول مثل إيطاليا وفرنسا رأت خطرًا عليها رغم بعد المسافة، فـ«داعش» لن تتوقف إلا عند المغرب العربى، مستغلة هذا التباطؤ فى مقاومتها، وهذا الكذب بإظهار المقاومة فى ناحية، ودعمها فى ناحية أخرى. أغلقت الجزائر وتونس حدودهما، توقف الطيران المغربى عن الذهاب إلى ليبيا، وهكذا يبدأ حصار حقيقى لا ينقصه إلا حصار البحرية المصرية لبلد مثل سرت أو درنة، لمنع تدفق المساعدات إلى «داعش»، ولا بد أن تفعل هذا إيطاليا وفرنسا.. لا تنتظروا شيئًا من أمريكا غير الكلام، حتى لو وافقت على ضرب داعش فى ليبيا. حلم أمريكا هو حلم إسرائيل، تقسيم العالم العربى إلى دويلات صغيرة. والآن بعد أن فتحت مصر باب العمل الحقيقى ضد «داعش» لا يمكن لمصر أن تتراجع، الليبيون ينتظرونها ليكملوا الطريق دون أى تدخل عسكرى من مصر على الأرض، والعالم لن يستطيع أن يوقف مصر، وكل ضربة لـ«داعش» فى ليبيا تعنى ضربة لها فى سوريا والعراق.. «داعش» ستنتهى من العالم العربى حين تنتهى من ليبيا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة