يسرا محمد سلامة تكتب: بين التاريخ والدراما.. متى اللقاء؟!!

الخميس، 05 فبراير 2015 08:08 م
يسرا محمد سلامة تكتب: بين التاريخ والدراما.. متى اللقاء؟!! ورقة وقلم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الأمة التى لا تاريخ لها لا مستقبل لها، والشعب الذى لا يعرف تاريخ أمته شعب أضاع هويته، والتاريخ لا يُعرف إلا إذا عُرفت مصادره، إذ أن دراسة التاريخ دراسة قصصية وروائية لا تكفى لتكوين المعرفة الحقيقية الصحيحة، التى نستطيع أن نُسميها علم التاريخ؛ فدراسة التاريخ تحتاج أولاً إلى معرفة مصادره ومراجعه، مع تدقيق وتمحيص ونقد واستخلاص نتائج ومنهج يضبط ذلك كله.

تنقسم المصادر التى يستقى منها المؤرخ ودارس التاريخ بوجه عام الحقائق والمعلومات إلى ما يلى: الآثار والنقوش، المخطوطات، الوثائق، المؤلفات، الدوريات، وأخيرًا المشاهدة الفعلية والتحقيقات الشخصية.

التاريخ والهوية

كان لتلك المقدمة ضرورة مُلحة؛ لأبدأ حديثى عن ما أود قوله، فإذا كان تاريخ أمةٍ ما، يُعد ركنا أساسيا فى هويتها، فإن الفن وما يُقدّم خلاله من أعمال درامية يُعد هو الآخر ثقافة أمة ويسير فى خطٍ متوازٍ مع تاريخها، لأننا لو اعتبرنا التاريخ نبض ماضٍ عاش فيه أسلافنا، فالفن نبض حاضر نعيش فيه نحن، وهو مرآة لواقع نتعامل معه يوميًا.

وعلى المبدع أو من يقوم بنقل هذه الصورة الواقعية فى أى عمل درامى أن يمتلك أدواته جيدًا، من موهبة، وقدرة على إقناع، وأسلوب حوارى مميز، وانتقاء الفكرة التى تجذب المشاهد، وهى أمور لابد من توافرها فى أى عمل، يود مؤلفه أن يَرقى به، ويدخل معه وبه فى ذاكرة المشاهدين على مر السنين.

لكن، على كاتب العمل الدرامى التاريخى عبء آخر غير ما ذكرته، هو توصيل هذا الحدث التاريخى بكافة تفاصيله دون ملل أو إسهاب للمشاهد، وهذا يحتاج مهارة غير عادية من الذى يريد القيام بهذا العمل، فجهوده فى الكتابة هنا مُضاعفة؛ لأنه لزامًا عليه أن يكون قارئا للتاريخ ودارسا له، لديه العديد من المصادر التى من الممكن أن يستعين بها فى كتابة عمله الدرامى، وفى نفس الوقت يكون لديه المَلَكَة على الإبداع دون المساس بالخط التاريخى المزمع كتابته، ولا أقصد بما قُلته عن مَلَكَة الإبداع أن يؤلف ويتخيل أمورًا لم تحدث – بالعكس – فتاريخنا به من الدراما ما تكفى لأعمال درامية عديدة، فقط عليه أن يمسك بزمام مصادره، ويتوغل فيها ويقرأ تفاصيلها، بل والذى بين السطور فمنه يستطيع أن يخرج بالدراما المطلوبة، دون أن يتطلب ذلك منه جهدًا فى التأليف.

فالتاريخ لم يقم إلا على الإنسان وبالإنسان، وبطله الوحيد هو الإنسان، والفرد فيه نواة لأى حدث تاريخى؛ لذا فالصراعات الموجودة بداخله كفيلة وحدها بصناعة عمل درامى، من مقوماته الجيدة "الحبكة" التى يسعى إليها المؤلف وينشدها من أجل إتمام ما كتبه.

كما أنه لم يَعد فى سيرته الجافة التى تعودناها، ساردًا لسير الملوك والحُكّام، واصفًا المعارك الحربية، مُهملاً حياة الأفراد والشعوب التى تتكون منها الأمم، بل اتسعت آفاق دراسته اتساعًا كبيرًا بحيث أصبح موضوعًا لدراسات مختلفة، فيقول عنه بوركار(1) "إن التاريخ سيد الحياة"، ويعقّب نيتشه (2) على ذلك بقوله "إن الغنسان يجب أن يُلم بالأحداث الخاصة بحياته خلال الأزمنة المختلفة، فمعرفة الماضى مطلوبة لكى تكون فى خدمة الحاضر والمستقبل، وليس لإضعاف الحاضر أو لاجتثاث جذور القوى الحيوية للحياة فى المستقبل"، ويذهب سينوبس(3) إلى أن التاريخ "أستاذ الحياة يزودنا بنصائح عملية تُفيد السلوك، وبدروس تُفيد الأفراد مباشرة، كما تُفيد الشعوب".

(1) جون لويس بوركار (1784-1817)، رحالة ومستكشف سويسرى.
(2) فريدريك فيلهيلم نيتشه (1844-1900)، فيلسوف وشاعر ألمانى.
(3) شارل سينوبس (1854-1942)، مؤرخ فرنسى.

وفى النهاية أقول لكل مُبدع يُفكر فى كتابة عمل تاريخى، نعم إنه خطؤك إذا لم تكتب تاريخًا بشكل صحيح فى هذا العمل، وتَذرعك بحجة أنه "دراما مستوحاه" لا يُبرر جهلك بتاريخك؛ لأن الأعمال الدرامية ذاكرة أمة وإرث نتركه لأبنائنا وأحفادنا لكى يتباهوا به، اقرأ كثيرًا، حاور من تراهم شاهدون على تاريخ معاصر تود كتابته، استفد من تجاربهم، أبحر فى سفن معارفهم، دع مُخيلتك تسافر إلى أى عصر مضى، امتطى صهوة زمان لم تعشه قط بتوحدك مع مخطوطة أو وثيقة أو مرجع يعود لهذا العصر، لا تقف مكتوف الأيدى آسفًا على عدم دراية جيل تتعايش معه بتاريخه، لأنه لم يقرأ فى زمن تُسيطر التكنولوجيا على كل مفرداته اللغوية، لا تكتفى بأضعف الإيمان بل اسعى لأن تُغير بيدك، فمن المعروف أن وسائل الإعلام المرئية هى أهم مُحفز ودافع لتوجيه الأفراد لتكوين رأى ما، وفقًا لنظرية الاتصال، استخدم كل أدواتك الفكرية والمادية من أجل تثقيف هذا الجيل وتعريفه بتاريخه على الوجه الصحيح.

صلاح الدين الأيوبى وكليوباترا

ومثلما كنّا جميعًا نتذكر العمل السينمائى الرائع "صلاح الدين الأيوبى" للفنان المتميز أحمد مظهر، الذى كفى به من أعمال لديه لكى نفخر بما قدمه من فن، وتغنينا برائعة إليزابيث تايلور "كليوباترا" والذى تم إنتاجه عام 1963، آن لنا أن نحشد كل مُبدعينا لكى يرتقوا بثقافتنا الفنية التاريخية، وليبعثوا للمشاهد بالرسالة التى من أجلها كُتب التاريخ، وهى أنه "للعظة والعبرة"، وأنه "لا يُكرر نفسه" نحن بأخطائنا وعدم تعلمنا درسه نجعله يتكرر، ومن لا يتذكرون الماضى محكومٌ عليهم بتكراره، فكيف يكون لدينا كل هذا التاريخ ونكتب "دراما مستوحاة"؟!!








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة