أسامة حراكى يكتب: برد الطريق

الجمعة، 06 فبراير 2015 08:02 ص
أسامة حراكى يكتب: برد الطريق طريق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت أسخر من الأفلام العربية حين يمد أحدهم يده للنصف الفارغ من السرير ليتأكد من وجود نصفه الآخر، الآن أمد يدى للنصف ذاته كى أقيس مساحة البرد حولى، ففى كل حكاية هناك بئر عميقة نقذف بها الكثير من الأسرار والكثير من التفاصيل، وحين تنتهى الحكاية نغلق البئر على محتواياتها ونمضى، لكن حنينا ما قد يعيدنا إلى البئر، فنبعثر محتواها ونتذكر.. وأحيانا نبكى، فثمة أشخاص لا يغادرونا رغم أنهم بعيدون عنا، فبعض الذكريات تعترضنا بعد انتهاء قصة كاملة النمو كأنها كائن حى لا ينقصها سوى أن تنادينا بأسمائنا.

لا أعلم ما الذى دفعنى هذا المساء إلى دخول عالم الحب وإقلاق ظلمة مماته بعد مده طويلة، ربما هو الخذلان الذى أمسى سمة العصر، أو ربما بسبب لحظات مرت بى، لحظات توقف فيها الزمان على عتبة باب حكاية، وتوقف دوران الدنيا أمام إمرأة كنت أعشقها، لحظات أرعبنى فيها سرعة الأيام وأقلقنى فيها مرور العمر وعجلة السنوات، لحظات مررت فيها على قديم ذكرياتى وأحزانى ليس مرور الكرام، فقد كنت أظن أن فى إمكانى تخزين تفاصيل قصتنا فى صندوق محكم الإغلاق، أفتحه عند كل ذكرى للحنين، وأن ظهور صورة لها بالخطأ أمامى لن تحرك إحساسى إليها، لكنى اكتشفت أن الأحاسيس لم تمت وفاجئتنى بعودتها للحياة عند أول ظهور، وتذكرت كيف بعد انتهاء قصتنا كنت أذهب للأماكن التى كنا نذهب إليها معاً، وكيف كنت أعتقد أن الأماكن تشتاق لمن زاروها وتحتفظ بعطرهم، فكنت أمر على كل الأماكن استنشق غبار زواياها، بحثاً عن شوق يعيد إلى الزمن، لكنى اكتشفت أن الأماكن صماء لا تسجل أحاديث من مروا بها، وعمياء لا تحتفظ لهم للذكرى بصورة، فالفراق يصبح كالأمانى المكسرة التى نخدر بها ألماً ما كى نعاود الوقوف بعد سقوط كاسر.

فاسترجعت فى ذاكرتى مرحلة من مراحل حياتى، وأصعب ما فى هذه المرحلة، هو أننا نضطر عند الاختيار إلى التنازل عن أمور كثيرة، كانت ذات عمر من أساسيات أحلامنا وحياتنا لكننا نتنازل كمحاولة متأخرة للسير مع اتجاه الطوفان، بعد أن نكون قد قضينا أغلب العمر وأجمله فى السير عكس اتجاهه، ظناً منا أن الحب أقوى من الطوفان، لكن نكتشف خديعة الحب حين نلمح العمر غريقاً تحت بقايا الطوفان، فعندما نبدأ رحلة الهبوط نتنازل عن حق الاختيار ونفقد الكثير من الثقة بنا، وتتحول أحلامنا إلى عدو ظالم وننتقل من مرحلة الاختيار لمرحلة الاضطرار، وفى مرحلة الاضطرار لا ندقق فى الأشياء كثيراً، لأننا نكون تحت وطأة نهاية ما ربما نهاية حلم أو صحة أو شباب، أو نهاية عمر.

وبعد انتهاء اللحظات اكتشفت أنه كان على أن لا أمنح لظهورها أهمية تدفعنى إلى نزف الكثير من الصحة، وكان على أن أتعامل مع ظهورها على أنه حالة اكتشاف مبكر لمرض أن الآوان للتخلص منه وبتره منى، فتخلصوا ممن لا يستحق البقاء بكم واتركوا بينكم وبين الأقرب مساحة تقيكم أثر الاكتشاف ودهشته، فلا تثقوا بالحب كثيراً مهما تكن قوة قبضتكم عليه، فربما يوماً يترك يدكم فارغة لبرد الطريق.
















مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة