بدا فى الأيام الأخيرة أن حديث المدينة هو سيرة امرأتين، وعلى اختلافهما، فإنهما كانتا بطلتين للحدث والحديث سواء فى الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعى أو حتى فى الجلسات الخاصة، أما المرأة الأولى فكانت الإعلامية ليليان داود، وأما الثانية فكانت زوجة محافظ الإسكندرية.
ليليان داود، مذيعة قناة «أون تى فى» بدأت حكايتها على مواقع التواصل الاجتماعى بـ«هاش تاج»، وملخصه المطالبة بطرد ليليان داود من مصر، لأنها تنتهج نهجًا مختلفًا عن أغلب الأصوات الإعلامية التى تخرج علينا كل ليلة بنفس النغمة، ولو أنك قرأت ما كُتب عنها لشاب رأسك، فأقل اتهام لها أنها من أصول يهودية تساعد إسرائيل، وأهونها أنها لبنانية فما الذى يُدخلها فى شأن مصرى، وبينهما كثير من التطاول والاتهامات والشتائم، ولم تكن مواقع التواصل وبعض من مرتاديها هم فقط الذين يعزفون تلك السيمفونية النشاز، بل خرجت بعض الأصوات الإعلامية والصحفية تردد ذات الهوس الجمعى بطرد ليليان، وكأن مصر بطرد مذيعة ستصبح أكثر أمانًا، وأقل فسادًا، وأكثر ثراءً وإنتاجًا.
بداية، لست من هؤلاء المهووسين بليليان أو بأى مذيع آخر، لأنى أدرك جيدًا أن المذيع، وبعض ما يقوله ويفعله هو عمل جماعى يخضع لرأى كثيرين غيره، ومنهم أصحاب رأس المال فى المحطة ذاتها، لكن أكبر مشكلة تواجهنا أننا صرنا نتداول الكراهية بالسمع، وأننا نعانى من المكارثية بدرجة لم يسبق لها مثيل. ليليان داود تقدم برنامجًا اسمه «الصورة الكاملة»، وهو بالتأكيد ليس كاسمه، لأنه ليس هناك من يستطيع أن يرسم لنا الصورة الكاملة، فكاذب أو مخدوع من يدعى ذلك، وليليان تقدم هى ومعدو برنامجها ما يتصورون أنه الصورة الكاملة، لكن هناك صور أخرى تُقدم للناس، فلماذا يطالب البعض بحجب صورة ليليان؟، أما وأنها لبنانية فتلك ليست تهمة، وإن وضعها البعض كتهمة فلا أرى أحدًا يرفع صوتًا ضد طونى خليفة اللبنانى الذى يعمل فى مصر، ويتحدث فى شؤونها الداخلية من تحت الكوبرى، أو غيره من مذيعين بجنسيات عربية مختلفة، فهل تهمة كونها لبنانية تخص ليليان فقط لأنها تقول غير ما يعتقد البعض؟!
إذًا، نحن نضيف لداء المكارثية داء الشوفينية، فتكثر أمراضنا.. لا أتفق دائمًاً مع بعض ما تقدمه ليليان، لكن هذا لا يعطينى ولا يعطى غيرى الحق فى أن نخرس صوتها، لأنها تقدم ما تقدمه بمهنية دونما تجاوز يكاد أن يصير قاعدة فى الإعلام.. أختلف مع ليليان داود، وأنتقد صورتها غير الكاملة، لو أردت أن تراها كذلك قاطعها، رد على كل كلمة تقولها، لكن لا تطلب أن تبعدها لأنك بذلك ستبتعد عن رؤية جزء من الصورة قد يغيب عنك، حتى لو كرهته فهو جزء من الصورة.
أما المرأة الثانية فهى أيضًا بطلة حدث، رغم أن دورها فى الحياة ليس دور بطولة، زوجة مسؤول منذ اللحظة الأولى قررت أن تتصدر المشهد فتحضر اجتماعات رسمية مع زوجها، وتذهب فى زيارات رسمية لتتفقد سير العمل فى أحد قصور الثقافة، ثم حين يعلق زوجها السيد محافظ الإسكندرية على هذه التصرفات يقول إنها تساعده دون أجر، وإنها متطوعة، لا فض فوه. وإلى السيد المحافظ، وإليها زوجة السيد المحافظ مع كامل احترامى لتطوعها بالمساعدة دون أجر أحكى لهم حكاية رئيس كان يحكم هذا البلد، وكان يقول إن ابنه يساعده متطوعًا، وكانت زوجته أيضًا تساعده متطوعة دون أجر كما كانوا يقولون، لكن الشعب ثار على المتطوعين قبل المعينين، ونزع الاثنين معًا، فنحن شعب معقد من التطوع الزوجى أو الأسرى بكل صوره، ونصيبك أنك توليت المسؤولية بعد أن تم تعقيد الشعب، فإما أن تحكم منفردًا دون متطوعين من أسرتك، أو ترحل غير مأسوف عليك كما رحل من قبلك من أتى بأسرته المتطوعة.
امرأتان، إحداهما يطالب البعض بترحيلها من مصر لأنها تقوم بعملها كما تتصوره صحيحًا، والأخرى تطالب الأغلبية برحيلها هى وزوجها لأنها تتدخل فيما يجب ألا يعنيها بشكل غير صحيح.. الأولى يطالبون بترحيلها، لأن المرض تفشى بيننا من المكارثية للشوفينية، والثانية لأن عقدة مساعدة المسؤول من قِبل أهله تمكنت منا، فليتنا نشفى من المرض، وليت المسؤول عنا وحاكمنا يتعدى من عقدتنا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة