جالست فى الإمارات أشقاء من الإمارات السبع «أبوظبى ودبى والشارقة وعجمان وأم القيوين ورأس الخيمة والفجيرة».. وأشقاء من البحرين ومن قطر ومن الكويت ومن عُمان ومن السعودية.. أى دول مجلس التعاون الخليجى.. وكانت جلساتنا متنوعة تراوحت بين سهرات الدردشة والشعر والموسيقى والطعام.. وبين جلسات الندوات والمؤتمرات.. وفى كل الأحوال كانت مصر فى قلب وعقل الجميع.. معظمهم يعلنها بصدق واعتقاد حقيقيين.. وقلة يعلنونها من تحت «ضروسهم»، مراعاة لواقع رأى الأغلبية وهروبًا من السلخ والتمزيق على يد أحباء المحروسة فى ذلك الجناح الشرقى للأمة العربية!
واستمعت طويلا لمن كانوا يذكرون كيف أن آباءهم وأجدادهم حكوا لهم أنهم كانوا يتنسمون أخبار مصر وجهادها ضد البريطانيين من خلال المسافرين العائدين من بومباى الهند ومعهم جريدة «اللواء» التى كان يصدرها الحزب الوطنى المصرى برئاسة مصطفى كامل، وكانت الجريدة تصلهم متأخرة شهرين وثلاثة!.
هناك.. فى الإمارات، حيث تجربتى الرئيسة خارج مصر، بمجرد أن تتبدد الحواجز يتحقق الوجود الإنسانى الذى يتعاظم إذا تصادف وجود قواسم مشتركة بين أطرافه، والحواجز التى أقصدها نتجت عن ظروف الطفرة المالية النفطية بعد 1973، وعن ظروف كثافة العمالة الوافدة عربية وغير عربية، وعن ظروف تغير منظومات للقيم وللعادات والتقاليد ظلت سارية قرونا طويلة حتى دخل النهم الاستهلاكى وطغت الفلوس حتى استحقت الحقبة أن تحمل لقب «الكاشيزم»! هناك أيضا هبط المرء من فضاء رومانسيته القومية إلى أرض التنوع والتعدد، وأحيانا التعارض، وإلى حد ما التناقض بين البيئات الاجتماعية والثقافية والسياسية فى المجتمعات العربية، بل إنه من خلال طبيعة العمل الصحفى كان الاختلاف أحيانا من حول استخدام الحروف العربية وأدوات الوصل والموصول وظرف المكان والزمان وغيرها.. وأذكر كيف ضحك المصريون عندما نزل مانشيت الجريدة «المظاهرات تتصاعد فى سوهاغ» بالغين وليس بالجيم، على غرار كتابة اسم ديغول بدلا من ديجول.. وكان الاختلاف مثلا يحتدم حيث يكتب المشارقة «فيما» ويكتب المصريون «بينما» وهلم جرا.. وأذكر وأضحك الآن على ذلك المشهد الذى كان ساخنا بين أطرافه «فيما أو بينما»، صاحب الجريدة ورئيس التحرير المرحوم تريم عمران صامت يسمع ويفكر ولا يعلق لأن أحد مديرى التحرير كان لبنانيا من الطائفة الدرزية، ولاحظ البعض تكرار نشر أخبار وليد جنبلاط فى الصفحة الأولى دون مناسبة مهمة، وتكرار نشر أخباره فى معظم صفحات «العربى والدولى»، وكان معنا صحفية فلسطينية قادمة من لندن ومتحمسة سياسيا لأقصى حد.. وفى الاجتماع المذكور فتح أحدهم الموضوع وقدم كلامه بأن الجريدة قومية ذات منحى ناصرى، أى لا ينبغى أن تبدو فيها أى ملامح تنم عن أى طائفية دينية أو مذهبية أو حزبية، وإذا بالأستاذة «سميرة الخطيب» تصرخ قائلة: «إذا كنتم ناصريين.. فنحن جنبلاطيون»! وهكذا بجرة قلم وضعت الناصرية فى مواجهة الجنبلاطية، مع أن الأصل الأصيل هو أن علاقة ناصر بكمال جنبلاط علاقة وثيقة جدا، وخطهما السياسى واحد، ولا يمكن لعاقل أن يضعهما فى مواجهة عدائية! وعلى أرض الواقع كانت أول تجربة عملية لى للكتابة اليومية المنتظمة التى استمرت من إبريل 1980 إلى 1994 تقريبا، وكان لوقفى عن الكتابة اليومية ظروف ربما يأتى الوقت للكتابة عنها وبعضها يتصل بحياتى الشخصية والبعض الآخر بجوانب سياسية معينة مرتبطة بالعلاقات المصرية «أيام مبارك» - الإماراتية فى حياة المغفور له الشيخ زايد.
هناك أيضاً عشت تجربة التحول من الموقف النظرى المكتوب الذى كان يجر كثيرًا من المشاكل إلى موقف عملى فى يونيو 1982، وهو ما كتبت عنه من قبل وتحدثت فيه عن حشود المتطوعين العرب بمن فيهم المصريون للذهاب إلى سوريا، أملا فى الوصول إلى لبنان للاشتراك فى الحرب ضد الصهاينة! وفى كل ذلك كنت على اتصال دائم بالشيخ سلطان الذى لم يتدخل لحظة واحدة فى العمل الصحفى ولم أسمع منه توجيها باتجاه معين ولا غضبا من اتجاه معين، بل أذكر ذات مرة أن تلقى موظف استقبال المكالمات «البدالة» مكالمة هاتفية سأله فيها المتحدث عن الأخ تريم أو الأخ عبدالله، فلم يكونا موجودين، فسأله عنى، ورفعت الهاتف لأجد الموظف، وهو صديق مصرى من البحيرة، ينادينى: «أبومحمد.. فى واحد اسمه سلطان عاوز يكلمك.. سأل عن تريم وعن عبدالله ثم سألنى عنك»! وقلت له: «حولنى إليه»، وإذا به صوت حاكم البلاد يسأل ويعلق على تحقيق صحفى منشور على إحدى الصفحات، وكان حوارا يستحق أن أستكمله.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
هل تذكر زمان قبل اكتشاف البترول التكيه المصريه ومبعوثى التعليم والاداره وكسوة الكعبه المشرفه