حتى العقد الماضى كان التمتع بكل الحريات من حق أى زائر إلى تركيا.. باستثناء أيقونة احتلت قلوب كل فصائل الشعب التركى.. إياك والاقتراب بالنقد من مصطفى كمال أتاتورك.. يستطيع الزائر حتى التطاول على رئيس الدولة أو الحكومة.. لكنه سيواجه حالة غضب عارمة إذا حاول مس ذكرى القائد العسكرى الرمز الذى ظل الجيش التركى حارسا أمينا على مبادئه "الأتاتوركية" والتى التصقت بجذور الشعب.
التحليلات السياسية التى تناولت بالتفصيل نتائج الانتخابات التركية بكل ما حملته من إذلال للرئيس التركى رجب طيب إردوغان الذى أفاق على صدمة تراجع شعبى أنهت حكم حزبه المنفرد لمدة 12 عاما. أردوغان الذى "توحش" طموحه السياسى بعدما حقق فى بدايات حكمه بعض الإيجابيات على الصعيد الاقتصادى، حتى اصطدم بقسوة على أرض الواقع حين صورت له أحلام الفاشية إمكانية أن يصبح هو الآخر رمزًا أو أيقونة ربما تحتل مكانة أتاتورك فى قلوب الشعب التركى. الدليل مساعى أردوغان الدؤوبة إلى جذب اهتمام الداخل والخارج عبر الترويج لإنجازاته بيد، بينما كان يهدم باليد الأخرى كل القوى التى حافظت بأمانة على "الأتاتوركية" وأبرزها القوات المسلحة والقوى العلمانية.
نتائج الانتخابات التركية قطعا لم تولد من فراغ.. بل تعتبر النتيجة الطبيعية لعدة عوامل انطلقت شرارتها بقوة بعدما ظلت سنين كامنة تعانى من سياسات أردوغان القمعية. المجتمع التركى بكل توجهاته الأوروبية وأحلامه التاريخية بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، لن يسمح استبدال الموروث "الأتاتوركى" بحكم قائم على أسس دينية أو رئيس يفاخر بتأييده للجماعات الإرهابية ويفتح أراضى بلده ملجأ آمنا لأفراد هذه الجماعات، لذا فإن صبر الشعب التركى على دكتاتورية أردوغان التى بلغت أعراضها القمة خلال الأربعة أعوام الماضية لا يعنى رضوخهم لعملية إلغاء موروث تاريخى أرسخ قواعده من منحه هذا الشعب لقب "أبو الأتراك"، الذى لم يتخيل أن مبادئه ستكون مهددة على يد حاكم ينتقص من حقوق المرأة أو يعيد استنساخ النمط العثمانى فى البذخ والإسراف والحكم الفاشى باسم الدين.
مع وجود عدة "مسامير" من المنتظر أن تدق نعش أردوغان السياسى.. أهمها البطالة، تراجع الأداء الاقتصادى، حملات القمع للمعارضين والصحفيين.. يظهر "المسمار" الكردى فى أقوى أدواره خلال هذه الانتخابات.. الموروث التاريخى الحافل بالكوارث الإنسانية التى تعرض لها الشعب الكردى لم يعد يحتمل المزيد من التهميش والاضطهاد.. لذا لم يكن غريبا خروج 90% من أكراد تركيا للتصويت لصالح حزبهم القومى "حزب الشعوب الديمقراطى" ويمكنوه- لأول مرة- من حصد 60 مقعدا فى البرلمان خصوصا بعد فشل عملية السلام الكردية.
تداعيات انتخابات تركيا لن تنتهى بإعلان النتائج.. بل ستشكل استمرار مسلسل الفشل "الأردوغانى" مع تصاعد المعوقات التى ستواجه حزبه لتشكيل حكومة فى ظل رفض الأحزاب المعارضة الثلاثة فكرة تشكيل ائتلاف مع حزب "العدالة والتنمية".
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
mohammad
حرام عليك